ومن أهم المظاهر التي تتكرر في رمضان، التهافت على شراء المأكولات، وتنافس المؤسسات على عرض منتجاتها الغذائية بشكل لافت ومكثف، وكأن الناس لا يأكلون إلا في رمضان، وهذا لا يعني ألا يتمتع الناس بأنواع من المأكولات الخاصة برمضان، ولكن المشكلة هي ما يحصل من تبذير وهدر للأطعمة، واكتظاظ الشوارع بالسيارات، واصطفاف الناس أمام محلات الحلويات والمطاعم، مع الأخذ في الاعتبار أن المفروض هو قلة الأكل بسبب الصيام.
بالإضافة إلى ما سبق من مظاهر سلبية، يلاحظ الجميع التغير في السلوك اليومي لدى الناس بمختلف فئاتهم، ونقصد كثرة السهر وما يترتب عليه من ضياع الأوقات، وتأخر عن مواعيد العمل الصباحية، والنفوس «الشينة» عند التعامل في أوقات الصيام عند البعض، وعذرهم غير المقبول هو الصيام والتعب، والحقيقة أن السبب ليس الصيام وإنما السلوك الاجتماعي السلبي خلال الليل، والذي ينعكس على حياتنا أثناء النهار.
وهنا يمكن القول إن الكثيرين تنقصهم الكفاءة الاجتماعية في التعامل مع المتغيرات التي نعيشها، سواء في رمضان أو غيره. ومفهوم الكفاءة الاجتماعية يشير إلى القدرة على التكيف الاجتماعي الناجح مع مختلف الظروف الحادثة، ويلزم الفرد مجموعة من المهارات الاجتماعية والعاطفية والمعرفية والسلوكية، التي تمكنه من فهم الواقع والتكيف معه، بما يضمن التعامل مع المواقف بشكل فعال، بحيث لا يهدر الإنسان وقته أو ماله أو جهده، فيما لا فائدة منه، كما يشير هذا المفهوم الاجتماعي إلى التعلم من التجارب السابقة، وعدم الوقوع في الأخطاء باستمرار.
في كل عام تتم التوعية من قبل الكثير من المؤسسات التربوية والاجتماعية، بعدم تكرار أخطاء التعامل مع شهر رمضان، وتسهم وسائل الإعلام المختلفة ومنصات التوجيه الديني، في وعظ الناس لتلافي الممارسات السلبية في رمضان، لكن الممارسات السلبية تتكرر وبكل أسف، وهذا يدل على أن الاقتصار على التوعية والوعظ الديني، ممارسة غير كافية. هنا لا بد من تغيير أسلوبنا في الأنماط الاجتماعية السلبية، وهذا لن يتم إلا من خلال التدريب في سن مبكرة على مهارات الكفاءة الاجتماعية، سواء في المدرسة أو المؤسسات، التي تُعنى بالتغيير الاجتماعي، ويركز في هذه البرامج على البنائية على دراسة التصرفات السلبية، والتعرف على مظاهرها، وكيف يمكن التكيف مع الأوضاع الاقتصادية بشكل فعال، في ظل ما نشاهده من انهيارات ضخمة لمؤسسات مالية عريقة حول العالم، وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي، والتعرف على كيفية التخطيط الناجح للمناسبات، والنقد المبني على طرح الحلول الحقيقة التي يمكن تطبيقها. وكل ما سبق هو من المهارات اللازمة للكفاءة الاجتماعية التي نحتاجها، خصوصاً في رمضان.
وكل عام وأنتم بخير، ومبارك عليكم الشهر الكريم.