علينا أن نعرف أولا أن التوحد غالبًا ليس مرضًا ولا يحتاج إلى علاج ولكنه مجرد اختلاف في طريقة عمل الدماغ وفي كيفية التركيز على الأشياء وفي إتقان مهارات التواصل. ومع ظهور التوحد تم تقسيمه إلى ثلاثة أنواع خفيف ومتوسط وحاد وتغير هذا التصنيف ليصبح طيفًا ذا أداء منخفض وطيفًا ذا أداء مرتفع والذي يعرف علميًا بمتلازمة إسبرجر نسبة إلى العالم النمساوي هانز إسبرجر الذي كان أول من درس حالات التوحد وكان يطلق عليهم لقب المتوحدين المعتلين في إشارة إلى أنهم مرضى، وكان إسبرجر من المؤمنين بالعرق النقي وأرسل الكثير من الأطفال الذين تم دراستهم وإجراء الأبحاث عليهم إلى برامج التطهير بالقتل أو الإخصاء! لأنهم كانوا تهديدًا لأهداف المنظمة النازية في ذلك الوقت.

ولهذا يرى البعض عدم استخدام مصطلح متلازمة إسبرجر لأنها تعزيز لفكرة أن الأشخاص المتوحدين لا قيمة لهم. وإلى هذه اللحظة ليس هناك تفسير علمي لماذا يصبح بعض الأشخاص متوحدين لا سيما أن أحد شروط التشخيص أن تظهر الأعراض منذ الولادة أو في الطفولة المبكرة، وبالتالي فهذا يلغي أن يكون السبب سوء تغذية أو تطعيمات أو أمراض معدية أو سوء تربية أو أجهزة إلكترونية.

ولكن الدراسات أثبتت أنه ينتقل جينيا، وبالتالي فهو قد يظهر في عائلات محددة. والتوحد هو تشخيص طبي لتصرف عصبي لشخص غير قادر على مواءمة التصرفات الاجتماعية وتظهر هذه الملاحظات منذ الطفولة وتستمر مدى الحياة لتسبب نقص في مهارات التواصل وفي التفاعلات والمناسبات الاجتماعية وفي الوعي الشعوري وفي الاستجابة للأمور الحسية وعليه فهو ليس مرضًا ولكنه ردود فعل عصبية تجعل هذا الشخص يعمل بطريقة مختلفة عما نراه طبيعيًا.

وإلى هذه اللحظة ما زال تشخيص التوحد أمرًا صعبًا لا سيما وهناك أعراض أخرى قد تكون هي الظاهرة بشكل كبير كالمشاعر المفرطة والتواصل البصري المفرط بل والتعاطف الكبير الذي قد يؤدي إلى تورط الشخص في أمور ذات بعد قانوني وجنائي.

لقد أثبتت الدراسات التي تتبعت الأطفال منذ الولادة أنه مقابل إصابة ثلاثة أولاد بالتوحد فهناك إصابة واحدة بين الإناث وليس معلومًا لماذا إصابة الأولاد أكثر من الإناث. كما أن إصابة الأولاد البيض أكثر بنسبة 65 % مقارنة بالأطفال السود والأطفال من أمريكا الجنوبية. تذكر مريضة التوحد كيت هيل أنه مع الوصول إلى مرحلة البلوغ أصبحت قادرة على إخفاء الصفات التوحدية وأن إخفاء هذه الصفات ليس من الأمور المخادعة ولكن من أجل الاندماج والتعايش مع المجتمع والوصول إلى نجاح مهني واجتماعي.

وتذكر هيل المجهود الكبير الذي تبذله لتستطيع النظر في عين محدثها ومحاكاة الآخرين في تصرفاتهم وتقليد لغة الجسد وحفظ النصوص لاستخدامها في اللقاءات العابرة. وأخيرًا علينا أن نساعد هذه الفئة على مواجهة التحديات وأن نتقبل اختلافهم وتصرفاتهم والتي قد تكون غريبة علينا، وأن نؤمن أن النفور منهم قد يصيبهم بالاكتئاب واضطراب القلق.

كما علينا أن نؤمن أنهم قد يكونون أكثر منا ذكاء وفاعلية وأن نمكنهم من فرص النجاح والمشاركة.