رافقه التفاؤل، وحفزه الأمل، وبمهارة فائقة وازن اتجاهات بوصلة التعليم، على امتداد السهل والساحل والجبل، في مراكز وقرى محافظة محايل.

مهدي بن إبراهيم الراقدي مدير تعليم محايل الأسبق، ترجم دعم واهتمام الحكومة، إلى إنجازات في ذلك الجزء الغالي من بلادنا الحبيبة، ولم يمض من الوقت الكثير، إلا وطلائع تعليمية تُنير الدروب، وتبعث بشائر جيل متعلم مبدع وطموح.

قبل أكثر من أربعة عقود، واكب انطلاقة التعليم تنفيذ حملات للتوعية ومحو الأمية، ومنها الحملة الأولى في «قُرى المنجحة»، التي صنعت ما يُشبه المعجزة، لمجتمع ريفي، وعززت من تأثير القدوة الحسنة في نفوس الأبناء، وهم يشاهدون الآباء والأجداد يتوافدون في المساء، على مقر الحملة للدراسة والاستفادة من الفرص، التي جاءتهم إلى ديارهم، ووصل تأثيرها الإيجابي إلى قرى متباعدة، وقربت مسارات التعليم في تلك الربوع.

وأتذكر أن مدير التلفزيون آنذاك، الدكتور عبدالعزيز بن حمد الحسن، الذي تَحمِلُ له منطقة عسير المحبة والتقدير، لم يوجه إدارة الأخبار بالتغطية لتلك الحملة، وإنما التقط بحسه الإعلامي أهميتها اجتماعياً وإعلامياً، فبادر إلى وضع خُطة لإنتاج حلقة متكاملة، ضمن برنامج جولة تلفزيونية، ترصد ذلك الحدث المهم، وتُلقي الضوء على أبرز نشاطاتها ونتائجها، وكلفني بإعدادها وتقديمها، ليتولى التصوير المبدع سعد الأحمري، ومساعده عبدالله بن مشيط -رحمه الله- وأخرجها كبير المخرجين في التلفزيون ضايف الغامدي.

وحظي البرنامج بعد أن بثته القناة الأولى بمشاهدات عالية، واستقبلت محطة تلفزيون أبها، الكثير من خطابات الشكر والاتصالات من المسؤولين.

ولم يكن الثناء إلا على التفاعل، الذي نقلته الكاميرا عن الدارسين، وذلك التغيير الإيجابي السريع، بعد أن أصبح لدى كبار السن الإلمام التام بالقراءة والكتابة، والتطلع بثقة وتفاؤل نحو آفاق الحياة.

وكانت المفاجأة مشاركات إدارات حكومية، بكل إمكاناتها في الحملة، مما جعلها أشبه بدورة عامة مكثفة في النواحي التوعوية، الاجتماعية، الصحية، الزراعية، الحرفية.

ولأول مرة أُشاهد مديراً للتعليم، ينقل مكتبه إلى مقر الحملة للمتابعة، وتشجيع الدارسين والالتقاء بالمشايخ والنواب، في القرى المستهدفة، يشرح لهم الأهداف ويطلعهم على النتائج التي تحققت، ويوزع الجوائز ويرفع المعنويات.

وفي حديثه للتلفزيون، بصفته المشرف على الحملة، أوضح أن الهدف الأساسي تحقيق اندماج الدارسين في الحياة العامة، والقضاء على الأمية، ورفع درجة الوعي، مشيراً إلى التفاعل الإيجابي من السكان بمختلف الأعمار.

ستبقى ذاكرة بلادنا شاهدة على رواية التعليم في محايل، التي كتب فصولها مهدي الراقدي، بمداد من زهرة شبابه، ورحيق خبرته، ووفائه لأمته ووطنه، ومعه كوكبة من المخلصين. وهو من جيل الرواد، الذين يستحقون دائما الإشادة والتكريم.