تكلمت في المقالات السابقة عن أضلاع المثلث المهمة والرئيسية لأي بلد وهي مفتاح لاغتناء الدول أو حاجتها للآخر وهي الغذاء والدواء والسلاح لأنه في أي حروب أو خلافات أو أزمات عالمية أول ما يلتفت إليه هو هذه الأمور الثلاثة إما لحجبها ومنع تصديرها لجميع الدول أو لدول بعينها لأسباب واعتبارات مختلفة أو لأجل زيادة إنتاجها أو إعادة توجيهها أو استخدامها كأداة ضغط وابتزاز وعقاب للآخر.

والسلاح به قوام هيبة الأمم وحماية الدول وحدودها وردع كل من أراد بها شرا، قال تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» فحجم تجارة السلاح مهول وكبير جدًا (فقيمة تجارة السلاح أقصد حجم التصدير وليس الإنتاج لصالح جيش الدولة نفسها ) يتجاوز 595 مليار دولار قبل حرب روسيا وأوكرانيا، وهناك بيانات تشير إلى أنه في 2023 زاد بأكثر من %30 بعد هذه الحرب وهو مرشح للزيادة خلال السنوات المقبلة كمًا ونوعًا.

مشكلة عالم الأسلحة أنه يكون الحاجة لها -أي الأسلحة- في الغالب طارئة ومفاجئة مثل حالات الهجوم المفاجئ أو رد معتد او الحروب والتي عادة ما يطول أمدها بأكثر من المتوقع ولا يوجد حرب في التاريخ انتهت كما هو متوقع وبالوقت المخطط له وكمثال الحرب الروسية الأوكرانية كان متوقعًا لها خلال 14 يومًا أن تجتاح روسيا %90 من أراضي أوكرانيا، ولكننا نرى اليوم مضى على هذه الحرب أكثر من 400 يوم وما زالت روسيا لم تحقق أهدافًا تذكر، وهنا عند الحاجة لصناعات ومنتجات الآخرين تبدأ سياسة الابتزاز والاستغلال.

وقد تغيرت عقيدة السلاح كثيرة خلال السنوات الأخيرة فقد أصبحت الطائرات المسيرة UAV وغيرها من الأسلحة غير المأهولة هي الأداة الأكثر نجاعة وفعالية وزاد الطلب عليها والاهتمام بها كثيرًا خصوصًا بعد استخدام الذكاء الصناعي في التوجيه مما زاد الدقة وقلل من الأخطاء واستهداف البشر. فجل ما تحتاجه الدول هو إرادة ومال واستقطاب للعقول في هذه الصناعة ومراكز تدريب واتفاقيات متنوعة.

لذا حرصت الحكومة لدينا على زيادة المحتوى المحلي من صناعة السلاح إلى %50 وهو أمر جيد ومرضي لمن عرف علم صناعة السلاح وأن مكوناتها هي أسرار تحتفظ الدول بها وتحرص أشد الحرص على عدم تسربها للآخرين إلا تحت ضوابط وشروط كثيرة، أعود وأقول إن ما يمنحنا ميزة وإمكانات للصناعة العسكرية أن لدينا الإمكانيات المالية والبشرية والرؤية الطموحة لدى القيادة وهي الأهم، فإنشاء المصانع وجلب الخبرات والدعم الحقيقي والمساندة للقطاع الخاص أمر مهم لتشجيعهم على الاستثمار في هذا المجال والذي يحتاج إلى رأس مال ضخم ووقت طويل وجهد كبير ومساندة من الدولة.

وقد أنشأت الدولة لدينا الهيئة العامة للصناعات العسكرية(GAMI) وهي تهدف إلى تنظيم القطاع وحوكمته والرقابة عليه وتوجيهه لتحقيق الهدف الأسمى وهو توفير الاحتياجات الدفاعية وحماية البلاد من اعتداء الأعداء والمتربصين حمى الله بلادنا من كيدهم.