ما الذي جلبته المخدرات إلى دول العالم؟ إنه تدمير المجتمعات والانهيار الاقتصادي والانحدار الأخلاقي ونمو سوق سوداء تقدر بـ 300 مليار دولار سنويًا وسجون ممتلئة بالشباب ومصدر للبطالة وظهور العصابات المسلحة وانتشار القتل والترويع وانشغال من الدول والشرطة بالحرب على المخدرات عن أداء مهامهم الأخرى. يقول إيثان نادلمان وهو خبير في المكافحة الدولية للمخدرات «عندما أجريت العديد من المقابلات مع العاملين بمكافحة المخدرات فكانت إجاباتهم أننا لا نستطيع إيقاف الإمدادات ولكن علينا إيقاف الطلبات» وعندما ذهب إيثان للتحدث مع موظفي الجمارك فكانت الإجابة «أن الحل هو في إيقاف الإمدادات وليس الطلب» ويستطرد ايثان «أن الحل لا بد وأن يكون مزدوجًا وذلك بإيقاف الامدادات والطلب». ولكن يظل السؤال هل الحرب على المخدرات هو دور الحكومات فقط. إن الإجابة على هذا السؤال أن الأسرة والمجتمع والمدرسة والجامعة والمؤسسات الصحية هم شركاء في هذه الحرب. ففي الوقت الذي تشن الحكومات حربها على الإمدادات والطلب فعلى الجهات الأخرى بذل جهد مضاعف في تقليص الطلب. في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تشكل ما يقارب الـ 5% من سكان العالم فإن عدد المسجونين فيها يشكلون ما يقارب %25 من السجناء بالعالم، وما زالت أمريكا من أكثر الدول التي تعاني من مشاكل المخدرات، وهذا يوضح حجم المشكلة التي تعاني منها الولايات المتحدة لا سيما وهي محاطة بدول أمريكا الجنوبية والتي تعتبر مصدرًا مهمًا لصناعة وتجارة المخدرات. وفي المملكة العربية السعودية فإن معظم تجار المخدرات ومهربيها هم من جنسيات مختلفة، ورغم أن الهدف الأساسي من تجارة المخدرات قد يكون الربح المالي إلا أنه يجب عدم إغفال الأبعاد السياسية لاستهداف أهم مصادر القوة لأي مجتمع وهو موردها البشري. وربما حان الوقت للتوسع في عيادات معالجة الإدمان (من أجل تخفيف الطلب) ليس فقط على مستوى المستشفيات ولكن على مستوى المدارس والجامعات والتجمعات العمالية، فمثل هذه العيادات في بعض الدول كسويسرا وألمانيا وهولندا وإنجلترا والدنمارك أثبتت فعاليتها في انخفاض معدلات الإدمان والاعتقالات والجريمة وتحسنت الأحوال الصحية والنفسية للمدمنين واستطاعوا الاندماج مرة أخرى مع المجتمع والعودة لممارسة حياة طبيعية.

الإدمان أصبح مرضًا مزمنًا مثله مثل بقية الأمراض المزمنة، ويجب عدم التعامل معه من باب الخجل والخوف والعيب والذي يمنع الكثير من البحث عن العلاج الفاعل.

كما أن علينا أن نتقبل رغبة الشخص المدمن في العلاج، كما هي الحال مع الشخص الذي يحاول الإقلاع عن بعض العادات الضارة كالتدخين. وأن نعلم أن العلاج من الإدمان لا يكون بين ليلة وضحاها وأنه ليس فقط من خلال الأدوية البديلة، ويظل دور الأسرة والمجتمع في تقبل هؤلاء الأشخاص والسماح لهم بالاندماج معهم من أهم خطوات العلاج. إن أخطر ما يواجهه المدمنون هي تلك النظرة الدونية وأنهم منبوذون وغير مرحب بهم، مع العلم أن ذلك المدمن ليس إلا ابنًا أو بنتًا لأحد الأسر.

وأخيرًا فإن الحرب على المخدرات مستمرة وستظل دائمًا رغبة المجتمعات والأهل في حماية أبنائهم من هذه الآفة، وعليه فلا بد من التوسع في المعرفة والأساليب وفي الخيال والأفكار من أجل إصلاح حقيقي وتحقيق مناعة فكرية ومجتمعية وتعليمية وتأهيلية ضد هذه المخدرات.