كيث كامبل، أستاذ في جامعة جورجيا، ربما يكون أفضل الأكاديميين الذين تحدثوا عن النرجسية.. تعريفها وأسبابها ومخاطرها وانتشارها بشكل كبير في العصر الحديث، هناك قصة أسطورية للقدماء اليونانيين عن شخص يدعى نارسيسوس، والذي كان شخصًا وسيمًا جدًا، وكان يجوب العالم بحثًا عن شخص ليحبه، وعندما كان يتحدث إلى الحورية (إيكو)، والتي عرضت عليه حبها، التقطت عيناه لمحة لانعكاس صورته في النهر فوقع في حب صورته؛ ولعجزه عن مقاومة هذا الحب والإغراء فقد ألقى بنفسه في النهر ومات غريقًا.

وحسب الأسطورة فقد نمت مكان غرقه زهرة النارسيسوس أو النرجس، والأسطورة هنا بغض النظر عن صحتها من عدمها توضح الفكرة الأساسية للنرجسية، والتي تعتمد بشكل أساسي على الحب المؤذي للنفس، والنرجسية هي مجموعة من الصفات التي يدرسها علماء النفس ويعرفونها على أنها تلك النفس المتكلفة والمتعالية، ويعتقد النرجسيون أنهم أفضل مظهرًا وأكثر ذكاءً، وأنهم يستحقون تقديرًا ومعاملة خاصة، وأنه يجب أن يكون لهم متابعون كثر ومعجبون أكثر.

ويقسم العلماء النرجسية إلى قسمين نرجسية الفخامة والنرجسية الهشة، وهذان النوعان مختلفان عن اضطراب الشخصية النرجسية، والذي يعد مرضًا نفسيًا، وقد تكون له عواقب وخيمة، ونرجسية الفخامة هي الأكثر شيوعًا في المجتمعات، حيث يكون الشخص منفتحًا على الآخرين، ومثيرًا للانتباه ومحبًا للسلطة، ونرى هذه النوعية بوضوح في الوسط السياسي والفني، وأيضًا في مشاهير السوشيال ميديا، لكن للاستدراك فليس كل من يسعى إلى التميز والتفرد هو شخص نرجسي، لا سيما أولئك الذين يقودون من أجل تحسين مصالح الناس والمجتمعات، بينما الأشخاص النرجسيون يسعون إلى المقدمة من أجل أن يكونوا محور الاهتمام والحديث.

ويتم تعريف النرجسية الهشة على أنها لمجموعة من الأشخاص يشعرون بحس عال من الاستحقاق، ولكنهم هادئين ومسالمين، وبالتالي يمكن تهديدهم وإهانتهم، وفي بعض الأحيان لا يستطيعون الرد أو الدفاع عن أنفسهم، ولكن تلك المواقف تظل جرحًا غائرًا في داخلهم، وقد تتحول إلى ردود أفعال انتقامية عنيفة في حالة تطور الحالة لتصبح اضطراب شخصية نرجسية، وفي كلا النوعين سواء نوع الفخامة أو النوع الهش يتصرف النرجسيون بأنانية ويتخذون قرارات غير أخلاقية وفيها مجازفات كبيرة، والأخطر من ذلك عندما يكون هذا الشخص محاطًا بمجموعة من النرجسيين فيأججون النفس العدوانية والأفعال الانتقامية، وعندما تظهر تلك التصرفات العدوانية فيتم تشخيص الحالة كاضطراب الشخصية النرجسية، والذي يصيب ما يقارب 1 إلى 2 من البشر، وتظهر في الرجال بشكل أكبر، كما أن الأعراض تبدأ بشكل مبكر في سن الطفولة أو مرحلة البلوغ، ويعتقد أن السبب الرئيسي للنرجسية هو عامل وراثي مرتبط بأحد الجينات، ولكن لم يتم تحديد الجين المسبب لهذا الاعتلال بعد، كما أن النرجسية قد تكون فعلا مكتسبًا من البيئة المحيطة، فتدليل الأطفال والمبالغة في ذلك يعززان من نرجسية الفخامة، أما محاولة السيطرة على الأطفال من قبل الوالدين فيعزز ظهور النرجسية الهشة، وفي الوقت الحالي ارتفعت نسب النرجسية بسبب الحرية الفردية المطلقة ودور وسائل الإعلام، وكذلك عدم القدرة للسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أعادت إحياء نارسيسوس في صور متعددة.