«السعر غالي.. تسرعت بالشراء.. ضحكوا عليك.. موقع الأرض غير ملائم».. عبارات يرددها البعض، وتصدم الآخرين، وتحبط فرحهم بأشيائهم الجديدة بعد اقتنائهم لها أو شرائها (منزل جديد أو سيارة أو قطعة أرض أو ساعة أو هاتف محمول)، وغيرها من الأشياء التي تفرح أصحابها الذين يكونون في هذا الوقت بأمس الحاجة إلى مباركة الآخر لهم، وتهنئتهم بما اشتروه، لتكتمل فرحتهم، خصوصا حين تأتي تلك العبارات المحبطة بعد إتمام الشراء، حيث تصبح بلا طائل، لأنها لم تأت في مرحلة المشورة، وطلب النصح.

ويرى كثيرون أن مثل هذه العبارات «السلبية» تنم عن عدم لباقة من قِبل من يطلقونها، أو تُظهر حسد أصحابها، وإمعانهم في إجهاض فرحة الآخر بما اقتناه، ناصحين بأنه إن كان الوقت قد فات على النصح فالأجدى أن يكتفي المرء بالمباركة دون الإحباط وإفساد الفرحة.

قتل المتعة

يرى المدرب التربوي عبدالله عدلان أن ظاهرة «قتل المتعة» أو «إفساد الفرحة» بما امتلكه الآخر منتشرة لدى كثيرين في مجتمعنا، ولهذا فإنه حين يشتري البعض أرضا أو يبني منزلا جديدا أو يشتري سيارة خاصة يواجهون بالإحباط والتقليل، بما يفسد فرحتهم، عبر تسريب الإحباط إليهم بعبارات مثل «لقد اشتريت الأرض بثمن مرتفع، أو قطع غيار السيارة الجديدة غالية وسوف ترهقك، أو أنك تسرعت في بناء منزل لن يكون مناسبا لك»، وهذه عبارات سلبية يفترض أن تستبدل عبارات التهنئة والمباركة ورفع المعنويات بها.

ويفند «عدلان»: «ما دام الشخص تكلّف واشترى، وما دام أنه تخطى مرحلة الاستشارة قبل الشراء أو البناء فلا جدوى من إبداء الرأي والانتقاد، لأن الأمر تم، عكس الحال حين يكون الأمر لا يزال في دائرة إبداء الرأي والاستشارة».

ويضيف: «من الواجب نصح الآخر والاجتهاد معه، وتوضيح سلبيات أو عيوب السلعة التي يرغب في اقتنائها، لكن إن انقضى الأمر، واقتنى الإنسان سلعته فالواجب هنا أن نبارك له، وأن نغض النظر عن العيوب، وأن نتمنى له الخير».

ويتابع «عدلان»: «الإحباط يصدر في الغالب من شخص حاسد لم يستطع أن يفعل ما فعله الآخر، وهو يريد برأيه السلبي أن يقتل فرحته، أو يقلل ما شأن خياره عبر إظهار العيوب في سلعته، والتقليل من قيمتها».

عبارات تحفيزية

يؤكد الأخصائي الاجتماعي محمد بالحارث وجود مثل هذه الشريحة في المجتمع، وهي شريحة يمكن أن نطلق عليها شريحة «الأشخاص المحبطين» أو «قاتلي الفرحة».

ويقول: «للأسف تنتشر هذه الظاهرة السلبية بكثرة في الفترة الأخيرة في المجتمع، وأنصح هؤلاء المحبطين أو قاتلي الفرحة بتجنب تلك السلوكيات التي لا تقدم لهم شيئا، وأتمنى عليهم أن يتركوا الآخرين يستمتعون بلحظاتهم وفرحتهم إن لم يستطيعوا مشاركتهم تلك الفرحة، وأن يدعو لهم بالبركة، ويقولوا العبارات التحفيزية التي ترفع من المعنويات».

ويرجع «بالحارث» لجوء البعض إلى هذه التصرفات لانطواء أنفسهم على الحسد والغيرة السلبية، وعدم القدرة على مجاراة الآخر فيما فعله، فيعمدون إلى التقليل من شأن ما فعله عبر الانتقاص مما اقتناه.

ويرى أن مثل هذه التصرفات غير اجتماعية، وربما تثير البغضاء في المجتمع، مبينا: «أعتقد أن الحلول اللازمة للتعامل مع مثل هذه التصرفات السلبية تتمثل في عقد الندوات، والتوعية الاجتماعية، وحث المجتمع على تصفية القلوب، وحب الخير للآخرين، وتذكر أن الزرق والتوفيق من الله، وأن لكل مجتهد نصيبا». مصاصو الدماءيقول المعلم صالح القشانين إن المحبطين أو قاتلي الفرحة يقومون بأدوار تشبه أدوار من يعرفون سينمائيا بـ«مصاصي الدماء»، فهم يمتصون الفرحة والحالة الإيجابية، ويحوّلونها إلى حالة من الإحباط والسلبية عبر انتقاصهم من أشياء الآخرين، ومن خياراتهم، وهم يُسقطون فشلهم على الناجح عبر وصف نجاحه بأنه غير مكتمل.

ويرى «القشانين»: «هناك نظرات سوداوية في المجتمع، والمحبط قد يكون فردا أو عائلة أو مجتمعا، والإحباط حجر عثرة في طريق الإيجابية والمتفائلين، والشخص الإيجابي عليه أن يجعل من منصة الإحباط وروادها حجرا يصعد به لمنصة القوة والعزيمة والتفاؤل».

ويضيف: «وجود المُحبِطين في بيئتنا قد يصنع لنا جيلا سلبيا محبطا مستقبلا، لذا لا بد من التصدي لنظراتهم وأفكارهم، ومن يبحث عن النجاح عليه تجاهلهم، لأنهم أعداء النجاح».