كان مبهجًا للناس في المشارق والمغارب صدور الموافقة السامية بإطلاق تسمية (الرواق السعودي) على مبنى مشروع توسعة المطاف بالمسجد الحرام، المتضمن مشروع توسعة واستكمال ما خلف (الرواق العباسي)، والذي يتكون من 4 أدوار، لتصبح الطاقة الاستيعابية (287.000) مصلٍ، و(107.000) طائف في الساعة.

شخصيًا لفت نظري عدم ذكر الإعلان لجملة (الرواق العثماني)، ولعلها الرغبة في الخروج من الخلاف، ووجدتها فرصة للتأكيد على أن لفظة (الرواق العثماني)، وإن ارتبطت ذهنيًا بما ارتبطت به، فإنه لا تصح نسبتها، كما يشهد الغريب قبل البعيد، إلا إلى الخليفة الراشد، سيدنا عثمان بن عفان، حيث قام في عام 26 من الهجرة بتوسعة كبرى للمسجد الحرام، بعد التوسعة الأولى لسيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما، وهدم البيوت المحيطة، وأدخل ولأول مرة الأروقة المسقوفة والأعمدة للحرم.

الرواق وتأكيد التصحيح أحدث عندي كذلك رغبة في تبيين ما يدار حول (مقام سيدنا إبراهيم)؛ فالحقيقة أنه في محرم عام 1375هـ أمر جلالة الملك سعود، وبعد الانتهاء من توسعة المسجد النبوي الشريف، بالشروع في العمل على توسعة الحرم المكي.

وفي صفر أمر بتعيين هيئة عليا للإشراف على التوسعة، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، الأمير فيصل، آنذاك، وبدأت التوسعة في شعبان، وفي عام 1378 كتب الشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اقتراحًا طلب فيه نقل المقام، ورد عليه الشيخ سليمان بن عبدالرحمن بن حمدان في كتاب مطبوع عام 1382، فرد عليه المعلمي في كتاب مستقل، وأيده سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رسالة فحواها (جواز النقل)، ثم جمع المعلمي الكلام في رسالة مطولة، اطلع عليها المفتي، وتفضل الملك بطبعها، وتوزيعها لتعميم الانتفاع بها، ولا مانع أبدًا من أن تكون هناك مقترحات أخرى تقدم بها العلماء للملك، مع أو ضد نقل المقام.

وكان من الفريق الثاني الشيخ محمد الشعراوي، العالم المشهور، الذي كان مدرسًا في كلية الشريعة بمكة، بجامعة الملك عبدالعزيز آنذاك، بين أعوام 1369و1382، وتوصيل الرأي لولي الأمر متاح، والتقدير موجود.

بعد سنتين، وفي العام نفسه الذي تولى فيه جلالة الملك فيصل الحكم، وتحديدًا في 25/12/1384، ناقش المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي مشروع نقل المقام، وكان من الحضور الشيخ إبراهيم نياس، العالم السنغالي المعروف، الذي قدم مع من قدم، رسالة مؤيدة لإبقاء المقام، لم يتفق معه عليها المفتي.

وبعد 3 سنوات؛ عام 1387، أصدرت الرابطة بيانًا من المجلس، وفيه إبقاء المقام، والإجماع على «إزالة البناء القائم عليه، والعقد الملازم له، أي باب بني شيبة»، واقتراح وضع «صندوق من البلور السميك.. مدورًا وبارتفاع مناسب»، واستجاب جلالة الملك فيصل، وأصدر أمره الكريم إلى إدارة مشروع توسعة الحرمين، وفي 18/7/1387 أزاح جلالته الستار عن المقام بغطائه البلوري داخل هيكل معدني، في حفل كبير.

وفي عام 1417، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد باستبدال الهيكل بهيكل نحاسي، مع تركيب شبك داخلي مطلي بالذهب، وقاعدة من الرخام، بدل الخرسانية القديمة.. جزى الله حكام المملكة المباركة خير الجزاء عن العناية والرعاية بالطائفين والقائمين، والحجاج والمعتمرين.. آمين.