تقف مشدوها أحياناً من بشاعة الإنسان حينما تسمع وتشاهد جرائمه وتجنيه على باقي الكائنات الحية وعلى شقيقه من بني جنسه في المقام الأول، وتقف للحظة في تساؤل مع نفسك لمسمى الإنسانية وحصرها في سلسلة من الأخلاق الموروثة عبر الزمن بين البشر، ومشدوها أكثر كلما تكررت مشاهد العطف والرحمة والحماية بين الحيوانات المختلفة عن فصيلتها، التي يفترض في الأصل أنها منزوعة الإدراك، لكننا نتجنى عليها نحن بني البشر لعدم وجود رابط أخلاقي يجعل لحنوها وتآلفها وتعايشها مع بعضها مسمى يحاكي مسمى الإنسانية، سوى أن الإنسان كائن مغرور لا يرى أخطاءه ويعظم نجاحاته وعلى طريقة أن التاريخ يكتبه المنتصرون بنى الإنسان لنفسه أمجاداً أخلاقية يسمح لنفسه متى شاء أن يخترق قواعدها وعندما يخترقها يطرد ويصف المطرود بأنه كائن أقرب إلى الحيوان!

لست هنا في دفاع عن الحيوان ولا في اتهام للإنسان أنا فقط مع بذرة الغرور الأولية التي بداخل أعماق الإنسان وما يغذيها وينميها ويجعل لها زهورا وأشواكا، ومع الجذر الذي يضرب في عقله الباطن وينمو كلما استشعر أنه صفوة المخلوقات فيطغى ويستبد ويتطور بشكل فظ ما أفضى به إلى الانحدار نحو التمييز بغروره بين جنس وآخر وعرق وآخر (فلا شيء ينمو دون تغذية)، وحديثي هنا عن هذه التغذية التي يجب أن يعاد تصحيحها وتفرض عليها رقابة بالضبط كالعمل الذي تقوم به هيئات الغذاء من رقابة وقوانين وتوعية حتى يتم اقتلاع تلك الجذور من باطننا ما أمكن إن لم يكن بالوعي فيكون بالقانون وبعدها نتحدث عن التآلف الذي برأيي يصعب تحقيقه بسلام في ظل نظرة البعض للتعايش على أنه أعلام بيضاء ترفع إجبارا في حالة الاستسلام أو بمعنى آخر في حالة الرضوخ للقانون خوفاً وليس من باب الإيمان به وعياً.

يستهين البعض بهذه البذرة الخبيثة «الغرور» النابعة من أصل كون أن الإنسان هو أفضل المخلوقات لمجرد أنه إنسان فقط، ثم بعد انفجارها في أعماقه بزمن يأتي باحثاً عن حلول لمشكلات العنصرية والقتل والكراهية والخلافات الأسرية وانتشار الطلاق وغيرها من المشكلات بتجاهل طرق التغذية التي تلقاها من تعليمه ومجتمعه لتأتي الحلول بعد ذلك سطحية لجرح غارت به سكين وأسعف بلاصق مؤقت وكلما امتلأ اللاصق نزفا وصديدا استبدل بآخر بلا تعقيم وبلا ضماد وبلا دواء.

وهو أيضاً نزف بلا سكين حقيقية، فنزعة الغرور الإنسانية برأيي عبارة عن أداة فعلها كفعل السكين إلا أنها خفية تحرض السلوك الإنساني على ارتكاب أقبح الجرائم وأقساها، وإذا كنا نود أن نضع نهاية لهذا النزف من حقوقنا الإنسانية المهدرة، فعلينا أن نبتكر مناهج تتغلغل في علم الإنسان نفسياً وفلسفياً بمعزل عن الأيديولوجيات المتطرفة وبمناهج تشذب وحشية الإنسان وتسمو بأخلاقه وذوقه نحو النمو في بناء حاجاته النفسية السوية.