مؤخرًا أعلنت منظمة الصحة العلمية أن المحلي الصناعي «الأسبارتام» تم تصنيفه في المجموعة الثانية (ب) والتي تعني أن احتمالية أن يكون مادة مسرطنة للإنسان إمكانية منخفضة وليست قطعية! عندها بدأت العاصفة وأخذت وسائل الإعلام المختلفة تنشر الخبر، وبدأت بعضها تحذر وأخرى تهول وهناك من يهون!

لعلي وقبل أن أحاول توضيح ماهية التصنيف ومدلولاته؛ يشمل تصنيف منظمة الصحة العالمية للمواد أربعة تصنيفات رئيسية وهي كالتالي: في المجموعة الأولى: المادة تعتبر مسرطنة للإنسان، بينما المجموعة الثانية: تنقسم إلى قسمين وهما (أ) تضم المواد التي تكون الاحتمالية كبيرة أن تكون مسرطنة و(ب) تلك التي من الممكن أن تكون مسرطنة كالأسبارتام، وتأتي المواد غير المصنفة في المجموعة الثالثة، بينما تصنف المواد التي يغلب أنها غير مسرطنة رابعًا. والتصنيف هنا لا يمثل درجة خطورة المادة ولكن مدى قوة الأدلة المتوفرة لاعتبار المادة مسرطنة؛ فمثلًا اللحوم المصنعة وسجائر الدخان تندرج ضمن المجموعة الأولى ولكن ذلك لا يعني تساويهم كمسببات للسرطان فالأبحاث تشير إلى أن %19 من أمراض السرطان بمختلف أنواعها يسببها تدخين السجائر، بينما تناول اللحوم المصنعة يسبب ما نسبته %3 من أمراض السرطان.

الأسبارتام محلي صناعي يفوق في قدرته على التحلية السكر العادي يستخدم في أكثر من 6 آلاف منتج لعل أبرزها المشروبات قليلة السعرات الحرارية تم اعتباره محليًا صناعيًا أواخر السبعينات ومنذ ذلك الحين وهو يثير التساؤلات وتتضارب الآراء والأدلة حوله، ويتم ربطه بأمراض السرطان تحديدًا لا لشيء إلا لأن البشرية تحاول فك الشفرات حول هذا المرض الفتاك فسنويًا يحصد الأرواح، والعلم في سباق مستمر لمعرفة مسبباته لمحاولة الحد من انتشاره وتقليل أعداد ضحاياه.

تصنيف الأسبارتام كمسرطن محتمل أتى بعد مراجعة للأدلة المتوفرة المحدودة لعلاقة سببية محتملة للأسبارتام بسرطان الكبد، والتصنيف هنا لا يعدو كونه إشارة للباحثين والمراكز البحثية المهتمة لإجراء المزيد من الأبحاث لتأكيد أو نفي العلاقة المحتملة. فالدراسات والأدلة التي استند عليها في تصنيف الأسبارتام كمسرطن محتمل تحتوي على محددات في تصميمها ربما تقلل من دقة نتائجها وجودة استنتاجاتها؛ فمثلًا يبدو أن التحكم في العوامل الخارجية الأخرى في تلك الدراسات لم يكن تحكمًا يؤكد للباحثين علاقة الأسبارتام السببية بالسرطان دون شك، حيث من الممكن أن هناك عاملًا مسببًا آخر أظهر وجود علاقة ما بين الأسبارتام والسرطان على الرغم من عدم وجودها، وكذلك فإن تلك الدراسات اعتمدت تحديد المشاركين أنفسهم ما إذا كانوا يتناولون الأسبارتام ومقدار ذلك، وذلك أيضًا يقوض من دقة النتائج ويثير الشك في مصداقيتها.

ومما يعقد دراسة العلاقة ما بين الأسبارتام والسرطان وغيره من المشاكل الصحية كون الاسبارتام لا يتم تناوله بشكل منفصل، وإنما هو جزء من مكونات متعددة ومركبات ومواد كيميائية مختلفة موجودة في المنتجات التي تحتوي على الأسبارتام تجعل تحديد الاسبارتام كسبب محدد صعبًا جدًا، هذا إضافة لكون الأسبارتام يتحلل فور دخوله جسم الإنسان لثلاث مركبات مختلفة، وهذه المركبات مجتمعة أو متفرقة موجودة في مواد غذائية أخرى لا تحتوي على الأسبارتام لذا تزداد العملية تعقيدًا.

وخلاصة القول إن تناول الأسبارتام بالنسب اليومية المعتمدة من قبل الهيئات والمنظمات العالمية يعتبر آمنا ولم يطرأ عليه تغيير بعد التصنيف الأخير، بل وتم تأكيد مأمونيته من قبل الهيئات التابعة لمنظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات العالمية والمحلية، كهيئة الغذاء والدواء. وفائدة المحليات الصناعية في التحكم بالسعرات الحرارية بشكل عام مثبتة خصوصًا للمصابين بمرض السكري، فإن استطعت الابتعاد أو الحد من استخدامها فذلك خير، وإن لم تستطع فلا ضير ولا داعي للقلق!

aalmilaibary@