قبل مدّة وجيزة ضجّت وسائل الإعلام في الحديث عن تقرير أعدَّتْه (هيومان رايتس ووتش) اتهمت فيه السعودية بقتل مهاجرين إثيوبيين، وما دام يُذكر اسم السعودية في تقرير فهو ضمان له أن يبقى أيامًا متداولًا في وسائل الإعلام، مُعدة التقرير نادية هاردمان، محامية بريطانية حاصلة على شهادة الماجستير في حقوق الإنسان من (كلية لندن الجامعية)، فهي ليست مؤهلة في التحقيق الجنائي وهو ضروري لتمييز الأدلة المادية التي يمكن أن يبنى عليها اتهام كبير كالذي قالته.

وهي ليست مؤهلة لأخذ الإفادات، التي يُتبع فيها قواعد صارمة حتى لا يحدث (تواطؤ) بين الشهود، فلا دليل لدينا على أنَّ معدة التقرير كانت مؤهلة لفهم القواعد في مساءلة الشهود، دون (إيحاء) مسبق يدفعهم إلى ما يريده السائل، وإلقاء أجوبة على ألسنتهم، أو دفعهم لافتراض أنَّ لهم جائزة كتسهيل عبورهم الحدود متى ما شهدوا بتلك الشهادات، كل هذا لا توجد ضمانات على مراعاته يقدّمها التقرير، كما لا يوجد أيّ ذكر لما يعزز من فكرة أنَّ هؤلاء الشهود، لم يتم التواصل معهم من أيِّ جهة سياسية، لدفعهم إلى تلك الشهادة، إلا أنَّ تقريرها لقيَ صدى إعلاميًا.

كتبت معدّة التقرير عن شهادات قدّمتها لها مجموعة من الإثيوبيين، دون أن تذكر شيئًا عنهم، فلا نعرف هل يتقنون العربية مثلًا؟ وهو سؤال مشروع لأنَّ التقرير زعم أنَّ جنودًا سعوديين سألوهم: أين تحبون أن نطلق النار عليكم؟ من أخبرها بهذه القصة؟ هل هو شاهد تعرّض لإطلاق النار؟ أو هي شهادة على شهادة أخرى، هكذا سمعوا فقالوا؟ هل اختبرتْ معرفتهم باللغة العربية؟ لا يقدّم التقرير أي شيء عن هذا، بل لا نعرف هل كان شهودها بحق يقدرون على تمييز الجندي السعودي، عن الحوثيين، أو عن غيرهم؟ لا حديث عن ظروف أخذ الشهادات، ولا (التحقيق)، ولا نوعية الشهود، ولا كيف تم التواصل مع هؤلاء، ولا نوعية الأسئلة التي عرضت عليهم، وهل قُدّمتْ محفّزات لهم حتى يقولوا ما قالوه، في المحاكم يقّدم ملف القضية لدراسته، أما هنا فلا ملف، سوى تقرير إعلامي، وخلال متابعتي للعديد من القنوات، لاحظت أنها نقلت التقرير دون أيِّ محاولة جادّة للتحقق مما فيه، بل لربما عززت جانبه الدعائي ببث بعض مقاطع المهاجرين المنفصلة عن التقرير.

فلا يوجد ما يدفع إلى الثقة بأنَّ كاتبة التقرير قامت بهذا العمل باحتراف، هل من يدرس حقوق الإنسان، يستطيع أن يعمل شرطيًا، محققًا، قاضيًا، في بريطانيا؟ لا يمكن هذا دون إعداد مخصوص له في هذه الوظائف، فكيف بتهم كبرى تزعم أنها حدثت على شريط حدودي مع اليمن بعيدًا عن بلادها، وكل ما قدّمته من أدلة مادية كان عبارة عن تحديد مواقع للجنود السعوديين بالأقمار الصناعية، قالت: إنَّ هذا يتفق مع الشهادات، بحق هذه ليست مزحة، أكان هؤلاء لا يستطيعون أن يعرفوا تلك المواقع حتى بعد رحيل الجنود؟ حتى تحتاج مطابقة شهادتهم عبر الأقمار الصناعية؟

قالت إنها قدّمت صورًا لمصابين لا نعرف هويتهم ولا متى أصيبوا، ولا من أطلق النار عليهم، بل إنَّ بعضًا منها قال التقرير إنَّ مصدره مواقع التواصل الاجتماعي، قدّمت هذه المقاطع إلى خبراء لتحليلها فكان كل ما قالوه: إنَّ الصور تدل على إصابات بإطلاق نار، هؤلاء احترموا تخصصهم، ولذا لم يقولوا إنَّ ما قدّمته لهم من صور حدث في اليمن من الأساس!

وفي غمرة نسبتها لكلامها إلى عشرات الشهود (المجهولين) لم تقدّم شهادة واحدة، منسوبة إلى جندي سعودي، أو حتى إلى غير إثيوبيين، وذكرت في التقرير أنَّ السعودية تدفع الملايين في قطاع الرياضة لتحسين صورتها، مهلًا! متى كان استثمار دولة بطريقة مشروعة، محل تعيير، وذكر له في معرض اتهام، هل كان الاستثمار الرياضي السعودي يمس حقوق الإنسان؟ أم إنَّها مؤهلة أيضًا للحديث في الاقتصاد والرياضة؟ كل هذا يعطي انطباعًا جادًّا بأنها مشحونة سياسيًا على السعودية.

ولا يبدو أنَّ المنظمة مهتمة بالتحقيق والنتائج، فعملها يرتكز على كيل الاتهامات، لكنّه كما يقال: رُبَّ ضارة نافعة، فهي فرصة لتعزيز أمننا الفكري، والإعداد لطرق مواجهة التقارير المسيّسة ضد الوطن، بوجود لجنة تفنّدها كلمة كلمة، وتكشف الثغرات العلمية في إعداد هذه التقارير، وقديمًا قيل: (من يَسمعْ يَخَل) أي: إنَّ هذه التقارير يجب أن تواجه بجديّة إعلامية، في نقد كتّابها حتى يعلموا أنَّ توزيع التهم، لا يكون دون أدلة.