ناقش كثير من العلماء والمفكرين مسألة الخوض في المسائل العقدية وعلم الكلام والفلسفة من قبل غير العلماء وذهب أغلبهم إلى نصح العامة بعدم الخوض في هذه المسائل إلا إذا توفر في الشخص العلم الكافي للخوض فيها، حتى إن ابن رشد لام الغزالي على بسطه للعامة مسائل فلسفية وعقدية معقدة يفترض أن لا يخوضها إلا العلماء حسب رأي ابن رشد، مع أن الإمام الغزالي نفسه قد ألف كتابا بعنوان «إلجام العوام عن علم الكلام».

ومع أنه من البديهي أن لا يخوض إنسان في علم لا يعرفه، ومن الطبيعي أنه إذا خاض في ما لا يعرف فإنه سوف يتخبط ويتوه وإذا وصل لنتائج فستكون في الغالب بعيدة عن الصواب ولكن يبدو أن الكثير يحب الخوض في المسائل العقدية والفلسفية وإن كانوا من غير أهل الاختصاص.

وكما هو واضح أنه في هذا الزمان لم يعد من الممكن الحجب والإلجام بسبب ثورة المعلومات والإنترنت، ويجب على المفكرين والعلماء أن يعيدوا النظر في هذه النصيحة، بل إن هذه النصيحة عندما تأتي من علماء دين قد توحي بمفهوم سلبي. وقد يظن البعض أن من ينصح بهذه النصيحة يعتقد أن التعمق في الفلسفة ومناقشة الأسئلة الكبرى يقود إلى غير الإيمان، وهذا مفهوم خطأ والأمثلة من التاريخ طافحة بعكس ذلك، بل إن هدف نصيحة العلماء هذه هي أن غير المختص من الطبيعي أن يقع في غلطات كبيرة قد تضره، أما من يتقن هذا العلم فإنه كلما تعمق فيه أكثر كلما زاد إيمانًا ويقينا.

ويبدو أن أفضل الطرق في عصرنا الحالي لحماية النشء والشباب من التخبط بين الشبهات، أن يُنصحوا ويُوجهَوا لتعلم المنطق ولو بقراءة كتاب مبسط أو حضور دورة على شبكة الإنترنت ليعرفوا بالدرجة الأولى ما هو الشيء القطعي وما هو الظني، ويستطيعوا التمييز بين العلمي والمتنكر بلحاف العلم ومعرفة طرق المغالطات المنطقية كما سماها الدكتور عادل مصطفى في كتابه أو ما وصفها شوبنهاور في كتابة «فن أن تكون دائما على صواب».

إن من يتقن المنطق لن يضحك عليه ولن يقع في كثير من الشبهات الرائجة في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل غير المختصين أو المغالطين، وربما بعض الضحايا المتشنجين، فالمنطق كما يعرف أنه «آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في التفكير».إذن فالفرد مهما كان يثق بأنه يمتلك ذكاء وعقلا جيدا ولكن يجب أن يعرف كيف يستخدم عقله وذكاءه بالطريقة الصحيحة، وكما قال ديكارت «لا يكفي أن يكون لك عقل جيد، المهم هو أن تستخدمه بشكل جيد».