في موقع مغمور على الإنترنت لـ (تفسير الأحلام)، يمكن لمرتاديه أن يكتبوا أحلامهم التي رأوها فيجيبهم عما يزعم أنه تأويل لها، مقابل مبلغ مالي لا يكاد يُذكر، كان هؤلاء السائلون لا يعلمون من يجيبهم، وهو لا يحب أن يُعلم ما انتهى إليه أمره، وهو الحريص على صورته أمام الإعلام، لقد كان من شاخ في التطرّف، وله أتباع إرهابيون، لكن نجمه أخذ في الأفول، إنه عصام طاهر، المكنى بأبي محمد المقدسي، في حالة تتجسد فيها شيخوخة التيارات المتطرفة التي تابعته على أفكاره، ما بين الصعود إلى العنف الأهوج حتى الشيخوخة واليأس بعد نبذ الناس لهم.

لا يمكن للمراقبين إغفال ما كان لكتاب (الكواشف الجلية في كفر السعودية) لعصام طاهر، من تأثير كبير في صياغة تصوّرات الجماعات الإرهابية، على اختلاف أسمائها، بعد أنْ طبع لأول مرة في بيشاور في أواخر الثمانينات، كان شابًا حينها، لكنَّ الكتاب أسهم في غسل أدمغة العديد من الذين اصطلح عليهم بـ(الأفغان العرب)، حتى برز من بينهم (أبو مصعب الزرقاوي)، وهو الذي صار حديث العالَم بعد اجتياح القوات الأمريكية بغداد، إذ أسس الزرقاوي نواة ما عُرف في الإعلام بتنظيم (داعش)، وكان عمله متركزًا في العراق، وهدد منها دول الجوار، وصار نجم الإرهاب بلا منازع، حتى غطى على باقي قيادات الإرهاب الشهيرة.

وكان في اشتهار اسم الزرقاوي ارتفاع لذكر شيخه، الذي قصدته وسائل الإعلام للحصول على سبق اللقاء معه، وكانت المقابلة لصالح قناة (الجزيرة)، فسعى فيها المقدسي لإظهار نفسه كأنه عالم شرعي، لفرض نفسه مرجعية للجماعات المتطرفة، حتى إنه انتقد ضمنًا سلوك الزرقاوي في بعض المسائل، وهو ما لم يعجب الزرقاوي، فرد عليه بلهجة غير ودية، ومفادها رفضه في أن يتدخل فيما هو بعيد عنه، وهو ما وضع بذرة شرخ مع المقدسي امتدتْ أكثر في الأزمة السورية، ولكنْ بقي الأمر خافتًا داخل هذه التيارات، وصار الزرقاوي اسمًا يتمسح به كل من يحاولون توسيع رقعة أتباعهم في هذه التيارات، فكان المتطرّف (أبو قتادة الفلسطيني) يمتدح الزرقاوي ويشبهه بصلاح الدين الأيوبي! فابتدأ الصراع داخل هذه الجماعات، بين نفوذ (المقدسي) و(الفلسطيني) فيمن سيضحي مرجعية لهذه التيارات.

ومع توالي الأحداث دخل التنظيم الذي أسسه الزرقاوي في العراق إلى سوريا، وصار يعرف في الإعلام بداعش، وقائده البغدادي بعد مقتل الزرقاوي وخلفائه، ثم انشقت عنه جبهة النصرة التابعة للجولاني، ووصلت الخلافات بينهما حدَّ القتال المتبادل، حينها كان الفلسطيني يدعم الجولاني، في مقابل المقدسي الذي كان أكثر تطرفًا، وأقرب إلى جماعة (داعش)، لكن في (2015) أطلق تنظيم داعش إحدى إصداراته المرئية، كان إصدارًا ساديًا لإعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة، بأبشع صورة إذ أحرقوه حيًا وهم يصوّرونه بأحدث الكاميرات، حدثٌ هائل هز الشارع الأردني، وخرج حينها الملك الأردني بكلمة إلى الشعب، فخشي التيار المتطرّف على نفسه من الأردنيين، بما دفع المقدسي إلى الظهور على قناة (رؤيا) مستنكرًا الفعل، وهو ما جعل داعش تنظر إليه على أنه مرتد!

كان نفوذ المقدسي يتراجع، وإن كان لحساب الفلسطيني في هذه التيارات، الذي صوّر نفسه على أنه أكثر اعتدالًا، وأنه متعلم أكثر (فهو جامعي) بخلاف المقدسي الذي لم يدخل الجامعة، ولكنَّ مراهنات الفلسطيني على الأزمة السورية لم تكن في صالحه كما توقّع، وبدأ يخفت ذكره هو الآخر بعد أن أحدثت التيارات التي اعتمدت عليه نفورًا عامًا بين الناس، فكان نجوم المرحلة السابقة للإرهاب والدم، يعجزون عن إبهار الجيل الجديد، وفقدوا سحرهم عليهم، لقد أدركوا حقيقة أنهم قد شاخوا، فأضحى ظهور المقدسي بمقاطع وعظية، يمكن لأيِّ أحد أن يقولها، دون أن يحصد كبير تفاعل، بل إنَّ معلومات مؤكدة أنه بنفسه أنشأ عددًا من الحسابات الوهمية يمدح فيها نفسه! حتى إنه كان يسمي بعض الحسابات الدكتور فلان، ليظهر وكأنَّ بعض الأكاديميين يهتمون به، رغم أنه هو الذي كان يدير تلك الحسابات، على أنَّ الزبد يذهب جفاءً، فلم تعد له كرامة حتى بين التيارات الإرهابية التي اعتبرها نتائج أفكاره، فرموه بكل نقيصة وكفر، كما كان حاله مع من يخالفه، فذاق من الكأس التي سقى بها غيره!