صناعة المحتوى حول قضايا تمس المجتمع في التربية والأسرة، والحياة بصفة عامة، من مهام أصحاب الفكر والاختصاص في علم النفس والاجتماع والتنمية البشرية الذين يمتازون بالثقافة العالية، ومهارة اللغة والتواصل، وليست آراء سطحية، للبحث عن الشهرة، وتعبئة فراغ مواقع وصحف إلكترونية، كما نلمسه اليوم.

هذه الصناعة فن تنتجه عقول لديها القدرة على توليد الأفكار الإيجابية، والمعرفة الواسعة، وتقديم الحلول الصحيحة للمشكلات من واقع دراسات معمقة ونظريات، وخلاصة دورات وقراءات.

للأسف الشديد هناك بعض من دخلوا الميدان بالخطأ يبثون مقاطع، ويطرحون أسئلة مع أجوبتها الساذجة، وكأنهم النسخة المعدلة ممن طفحت بهم الشاشات في سنوات مضت، ومنحوا أنفسهم ألقابا ليست لهم، فهناك محلل إستراتيجي وآخر جيوسياسي، وثالث مطلع على الشأن الداخلي والخارجي، ورابع داعية ومفسر أحلام، وخامس خبير عسكري، وسادس متخصص في الكوارث، وسابع مستشار اقتصادي.

وفي كل مرة النتيجة كلام في الهواء، لافتقادهم دقة المعلومات والخبرات، إلى جانب مناقضتهم الواقع، فاختفوا ولم نعد نسمع عنهم.

يقول الدكتور نزار عبيد مدني في كتابه القيم «من الجعبة»: «تظل إحدى مشكلات المجتمع هي كثرة المنظرين في قضاياه، وكل مُنَظّر يزعم أنه قادر وحده على استيعاب تلك القضايا، وإيجاد الحلول المناسبة».

ويطرح الدكتور مدني السؤال التالي: «من منا يستطيع إذا سُئِلَ في مجلس من المجالس عن موضوع من الموضوعات أن يقول لا أدري؟».

واعتبر أن انتشار هذه القُدرة «لا أدري» بين الناس تعود على الحياة العلمية والفكرية في المجتمع بكثير من المزايا والمحاسن.

وأضاف: «لكن من المؤسف أن هذه الخلال والسمات والصفات الحميدة تعوز بعض الأشخاص الذين لا يملُّون من الإدلاء بدلوهم في قضايا تخرج عن إطار تخصصهم، ولا يكلُّون من التنظير في أمور تتعدى حدود علمهم، ولا يترددون في الإفتاء في مسائل تفوق فهمهم وتتجاوز إدراكهم».

أعتقد أن الحال اليوم يحتاج إلى تحجيم أولئك، ونحن نشاهد عبث من نصبوا أنفسهم صناع محتوى، ذكورا وإناثا، يهرفون بما لا يعرفون، ويقدمون محتويات متناقضة وفارغة دون خجل، لأن هدفهم في المقام الأول كثرة متابعيهم.

لقد حان الوقت للناس أن يأخذوا المفيد من أهل الاختصاص في كل القضايا والمسائل التي تهمهم، بدلا من متابعة المفلسين والتافهين ممن يسعون للضرر بالمجتمعات.

عليهم، ومعهم بعض الصحف والمواقع الإلكترونية التي تسوق بضاعتهم الكاسدة، أن يتوقفوا عن إزعاج خلق الله، والخوض فيما لا يعنيهم ولا يفهمونه، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: «من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».