إن ما يخفف ما ذكرته سابقاً، قناعتي بأن مواصلة الدعوات للفهم الحقيقي للاختلافات، وللفروق والفوارق بين الأصول والفروع، وبين الثوابت والمتغيرات سينتج خيراً كثيراً، ولو بعد حين؛ ومن هنا دعوت وأدعو مع من دعا ويدعو إلى عدم حصر الحياة في قوالب خاصة لا يعرف من نقاط المشتركات إلا مجرد سردها، أما الفسح لها، أو تطبيقها فلا وألف لا، وعلى الكل ومن كل الأطياف مسؤولية مواصلة التأسيس للعيش المشترك، والحقيقي منه، وليس الخيالي، وهو ما يعني عدم استثناء أحد من البنية المجتمعية العامة، ومكافحة كل الدسائس، والمكائد كافة، وتعزيز كل ما يؤكد الاندماج في المجتمع، دون تمييز فريق على فريق، أو مدح أو ذم أي فرقة، والحرص تمام الحرص على وحدة الناس، والتعاون من أجل مكافحة الظلم، والتآزر ضد الفاسدين، والتعاضد من أجل اعتراف الناس ببعضها، والتعاهد على عدم المساس باستقلالية تصرفات الناس وحرية معتقداتهم، بخاصة وأن عدم ذلك يناقض كرامة الفرد، ويناهض قيم المجتمعات الفاضلة.
العيش المشترك المنشود داخل الوطن الواحد وخارجه أمر ينبغي أن يتجاوز التنظير إلى ما بعده، وأعني هنا البحث عن قواعده التي تكفل التمتع بالانتفاع العام، والظفر بالحريات الواحدة، والاستقلال الفكري المشترك، وكل هذا قطعاً لن يصب إلا في مصلحة الأوطان والإنسانية والحياة بأسرها؛ ومن أجل هذه القواعد الحرص على الإبقاء على الاختلافات والتنوع والتعدد، وعدم محاولة أن يكون الأفراد، أو أن تكون المجتمعات نسخة طبق الأصل من بعضها البعض؛ في الأفكار والمعتقدات والمسالك والتوجهات، وهو ما يكفل العيش المشترك الحقيقي، ويؤكد تعزيز مبدأ المواطنة، الذي يضمنه إقرار الكل ودون استثناء بالتعدد داخل المجتمعات، والفهم بأن المجتمعات المتكاملة فكرياً وروحياً، والمواطنة، والعيش المشترك، والرخاء، والازدهار، والتقدم وغير ذلك، لا يستلزم وحدة الفكر، ولا وحدة العقيدة، ولا وحدة العناصر، ولا بد من الاقتناع بأن المجتمعات التي تريد انسجام أفرادها مع بعضهم هي تلك التي لا تفرض عليهم الإذعان لرأي واحد، إنما تشجعهم وبالاحتواء على الاندماج، ومن دون إكراه أو ظلم أو حواجز وهمية {ما أنزل الله بها من سلطان}.