كل شخص بالغ -غالبًا- يحمل قضية فردية خاصة يدافع عنها ويحميها، قضية نشأت من مشكلاته وآلامه أو فقده، وهي مختلفة في نوعها وحدتها، يحملها على عاتقه ويعتبرها جزءًا من هويته، بل يصل به الأمر لأن يخسر منافع أو يواجه صعوبة تحقيق أهدافه، فقط لأن الأولوية تكون دائمًا الدفاع عنها. أمثلة للقضايا الشخصية: الانتقام، المبادئ المثالية، النجاح بصورة معينة، الشخصية الاعتبارية غير الحقيقية... وغيرها كثير، يعتقد الفرد أن القضية التي يحملها هي القشة التي ستنقذه من سوء الحال أو ستحميه في المستقبل المجهول، بعيدًا عن تقييمها؛ هو يرى أنها مرآته وحقيقة ذاته.

أتذكر حوارًا جرى بيني وبين طبيب نفسي فاضل عن هذا الموضوع، بدأ بسؤاله: ما الذي سيتغير إن باع الإنسان قضيته الشخصية التي تجعله في حالة إنهاك مزمن؟، أجبته بأن جزءا من هويته سيختفي، فضحك وقال: غير صحيح، لأن هوية الإنسان تتشكل من معتقداته التي تبلورت من تجاربه، صناعته لقضية شخصية هي محاولة لتسجيل موقف كان يجب أن يحدث قديما ولم تسنح له الفرصة، فيأخذ هذه القضية لتجعله في حالة جاهزية بتسجيل المواقف بتكرار مع افراد آخرين أو مواقف جديدة مشابهة بهدف الوصول لاكتفاء نفسي من هذه الحاجة، ولن يحدث أبدًا، لأن القضية في أصلها «غير عادلة».

يفسر حامل القضية إنهاكه بأنه نتيجة تجاربه الصعبة والتي انتهت منذ زمن وليس لها تأثير حالي فعلي، وفي الحقيقة تفسيره منطقي وغير واقعي في الوقت نفسه، منطقي بأن هذا الإنهاك نتيجة آلامه التي صنعت له قضية جعلته في حالة دفاع وهجوم مستمران على حسب المواقف التي تعترضه، لكن غير واقعي لأن المسبب انتفى واقعًا والأثر لم يعالج، وهي القضية التي يحملها. أرى أن أحد أهم مساوئ وجود قضية شخصية هو حضور الغضب بمستويات عالية، حالة الدفاع التي يعيشها الإنسان - والمستمرة - ستجعله منهكًا بالضرورة حتى وإن كان في أحسن أحواله اكتفاءً ورفاهية.


أخيرًا.. القيمة السوقية لبَيْع القضية الشخصية هي «راحة البال»، وكتاجرة مهتمة في هذا السوق؛ أنصحك بانتهاز الفرصة الاستثمارية و«بيع».