استلم صاحبنا الذي تخطى سن المراهقة للتو رخصة القيادة، ومن حرصه يكاد يترجل من مركبته ليحملها على ظهره حتى لا يؤلمها هذا المطب أو تلك الحفرة، وفي يوم من الأيام تخطى حاجز السرعة بكيلو واحد، فإذ به يرى فلاشات ساهر تنير عينيه لأول مرة، لم ينم الليل في انتظار المخالفة تصل إلى هاتفه، وما إن وصلت حتى هرول إلى البنك ليدفع المخالفة خوف ألا تبقى على رقم هويته، وفي إحدى المرات وصلت إحدى تلك الرسائل وبطاقته البنكية تعاني من «نحافة الخصر» فلا غذاء قد تلقته، وما إن أوشك وقت الريجيم للحساب البنكي أن ينتهي حتى سبقته مخالفة أخرى وكانت هذه المرة بمبلغ 3 آلاف ريال كونه لم يتوقف ثانيتين على الأقل قبل انعطافه يميناً عند الإشارة. فوفر من مكافأته الجامعية 100 ريال شهرياً حتى يسدد المخالفات، فحل الشهر التالي وأصبح يوفر 200 ريال لسداد 6 آلاف من كوكتيل المخالفات ما بين حمل الهاتف وملامسة الخط الأصفر أثناء القيادة وغيرها، ولكن الملاحظ أنه يرى تلك الرسالة وقد أنارت شاشة جواله ويحذفها ليلحق بمقطع التيك التوك الأهم بالنسبة له، فماذا حصل لصاحبنا الذي كان يهرول لسداد 150 ريالاً، وحالياً لديه من المخالفات المرورية ما يكفي لمهر فتاة أحلامه.

بعيداً عن السرد الخيالي إلى حد ما، هل فكرت شركة بمواصفات عالمية كـ»أرامكو» مثلاً التي تهتم بسلامة منسوبيها أثناء تنقلاتهم المرورية بأن تمول دراسة بحثية إحصائية بشراكات متعددة ما بين وزارة الداخلية وشركاء النجاح للسلامة المرورية، بأن تحتسب عدد السائقين الذين تتجاوز مبالغ مخالفاتهم المرورية 20 ألف ريال على سبيل المثال، ثم تقيس الانحراف المعياري مع الزاوية «الفزلكاوية» لنسبة صعود المخالفات لذلك المخالف، فإذا كان في عام كامل مثلاً يرتكب 10 مخالفات ثم أصبح يرتكب 30 مخالفة كمعدل سنوي ثم 40 وهكذا، فهل أصبحت مبالغ المخالفات المرورية نفسها هي المتسبب في عدم اكتراث المخالف بارتكابه للمخالفة، وإن كانت كذلك فكم من هؤلاء المخالفين الذين تجاوزت مبالغ مخالفاتهم المرورية هذا الرقم، كم منهم لم يجدد رخصة القيادة، وهل لأجل ذلك ترك مركبته من دون تأمين قائلاً في نفسه «خاربة خاربة»، فما هي الحال إن صدم أحداً من مرتادي الطريق، فبدلاً من أن يكون مديوناً بمبالغ المخالفات، أصبح مديوناً للحق الخاص، فما هي احتمالية أن «يمسك عقله» ويحترم أنظمة المرور، بينما في المقابل إن نشأ تحالف من الشركات العملاقة الحكومية التي تهتم للسلامة المرورية بأن يحدد هؤلاء المخالفين الميؤوس من انضباطهم، ثم إبلاغهم بأن هذا التحالف مستعد لسداد 25 % من مخالفاته إن لم يرتكب أي مخالفة في الربع الأول ثم تصل النسبة إلى %50 مع الربع التالي وهكذا حتى سداد %100 من مبالغ مخالفاته إن لم يرتكب مخالفة واحدة طوال العام، فهل سنرى أجيالاً انضباطية أكثر مما نراه، وهل ستصبح طرقنا أكثر أماناً ممن (لم تعد المخالفات المرورية تخيفه).