تجتمع الفوضى مع المخالفات، لتشكل عنوانا لعمل مندوبي التوصيل بالدراجات النارية. فإلى جانب عدم التزامهم بالتعليمات، وعدم احترامهم الأنظمة المرورية، وقيادة دراجاتهم بسرعات مذهلة، بغية إيصال الطلب بأسرع وقت ممكن، واللحاق بطلب جديد، والقيادة الخطيرة التي ينتهجها كثير منهم عبر الخطوط والطرق السريعة والرئيسة والفرعية داخل المدن وخارجها، بالإضافة إلى التنقل بعشوائية بين المسارات، واستخدام الهاتف النقال خلال القيادة، تبدو سيطرة غير السعوديين واضحة على العمل كمندوبي توصيل، ويعمل معظمهم دون تراخيص، ما دفع مجلس الشورى إلى إصدار توصية لتوطين هذه المهنة.

وإلى جانب كل تلك المخالفات، تجتمع مخالفة أخرى تتمثل في العمل اليومي ساعات طويلة جدا بغية الحصول على إيراد أعلى، وهو ما يؤثر في المحصلة على قدرات المندوب في قيادة دراجته، ويشكل بالتالي خطرا على نفسه وعلى الآخرين.

وتشهد منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي وغيرها من التطبيقات كثير الإعلانات التي تحمل أرقام جوالات أولئك المندوبين الذين يبدون استعدادهم لإيصال الطلبات في أي وقت وإلى كل مكان، ناهيك عن تعاونهم مع المحلات والمطاعم والأسواق الكبرى والكافيهات.

13 ألف ريال دخلا شهريا

يشير مقيم آسيوي، يعمل مندوب توصيل على دراجته النارية، إلى أنه بدأ العمل في هذه المهنة منذ تفشي وباء كورونا، مؤكدا أنه كان يجني دخلا يوميا يتجاوز الألف ريال، وذلك لكثرة الطلبات، حتى أنه كان يضطر للاعتذار عن بعضها.

ويضيف أن أجر التوصيل كان يبلغ ضعف الأجر الحالي، خصوصا في أوقات منع التجول التي فرضها كورونا.

ويبيّن أن أجرة توصيل الطلب حاليا تتراوح بين 20 و30 ريالا اعتمادا على بُعد المسافة أو قربها، وحجم الطلب ونوعيته وكميته، موضحا أنه يجمع أحيانا عدة طلبات لتوصيلها في وقت واحد، حتى أن حجم دخله الشهري حاليا يتجاوز الـ13 ألف ريال، ولافتا إلى أنه يستقطع جزءا منه لكفيله، وجزءا لدفع إيجار سكنه وفواتيره وباقته الشهرية للاتصالات والإنترنت.

تقاسم المهمة

يبيّن مقيم عربي يعمل مندوبا للتوصيل على الدراجة النارية أنه يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من سنة ونصف السنة، ويوصل الطلبات إلى المنازل والاستراحات والديوانيات، وكذلك المدارس وبعض المقرات الحكومية والخاصة، مشيرا إلى أنه يتقاسم هو وكفيله المهمة، حيث يعمل منذ الصباح حتى قبل صلاة المغرب، ثم يتولى كفيله المهمة بعده حتى منتصف الليل، حيث إنه يعمل بمهنة أخرى، ولا يحمل ترخيصا لممارسة توصيل الطلبات، ولكنه يؤكد أنه لم يتعرض مطلقا لأي مساءلة أو حتى الإيقاف خلال توصيله أي من الطلبات، للاستيضاح منه عن عمله.

وشدد على أن ما ساعده في عدم توقيفه هو التزامه بالتعليمات المرورية، وحرصه على لبس الخوذة، مبينا أن مهنة التوصيل تحقق أرباحا مجزية بالاستمرار وبذل الجهد اللازم.

زيادة الطلب على الدراجات النارية

يرى المحامي إبراهيم آل منصور أن النمو السريع في التجارة الإلكترونية خلال الفترة الأخيرة أسهم بشكل كبير في زيادة الطلب على استخدام الدراجات النارية التي تعد أقل كلفة من المركبات، خاصة للشركات المتوسطة والصغيرة التي تهتم بتقديم خدمة التوصيل. كما أنها توفر الوقت والجهد.

ويبيّن أن هذا التوجه أسهم في انتعاش الطلب على الدراجات النارية المستعملة، ناهيك عن أن بعض المطاعم ومنافذ البيع تسعى للتوسع وزيادة أسطول دراجاتها النارية، لتغطية الطلبات الخارجية وطلبات التوصيل للعملاء، وهو ما يثبت التزايد المستمر في هذا النشاط، ويجبرنا على التفكير في تطوير وتحديث آلياته بما يناسب المرحلة المقبلة والمهمة جدا.

ويطالب آل منصور بالتشدد في تطبيق الأنظمة والقوانين على مندوبي التوصيل، ومراقبتهم ومتابعتهم وتطبيق الاشتراطات عليهم، وأن تكون الأولوية في تلك المهنة للشباب السعوديين.

وقد صدرت توصية عن مجلس الشورى، لتوطين هذه المهنة، وتطوير الأدوات التشريعية والرقابية اللازمة لتوطينها، مركزةً على أن الاعتماد على التوصيل بالدراجات النارية يحتاج إلى مزيد من الرقابة، للتأكد من عدم خلو تلك الدراجات من وسائل السلامة والأمان والإضاءة العاكسة، ومن ارتداء قائديها الملابس الواقية، والمخصصة لحماية الرأس والأطراف. كما تساعد في عكس الإضاءة الليلية، مع تحديد أبعاد الدراجة النارية، وحملها اللوحات المرورية.

ولعل الرقابة المطلوبة تفيد في الحد من تنامي ظاهرة استخدام تلك الدراجات النارية الأرصفة ومعابر الطرق المخصصة للمشاة عنوة، أو بهدف تجاوز الازدحام المروري، بما في ذلك الأرصفة المطورة.

بطاقة تعريفية للمندوب

أصدرت الشؤون البلدية والقروية، في وقت سابق، لائحة خدمة التوصيل المنزلي التي تقدمها المطاعم والكافيتريات ومطابخ الولائم والأسواق المركزية والبقالات، أو ما يماثلها من الخدمات التي تقدم للمستهلكين. وتضمنت اشتراطات الحصول على خدمة التوصيل أن يقدم صاحب المنشأة الراغب في خدمة التوصيل المنزلي طلبا للأمانة أو البلدية المختصة، إلى جانب تقديم صاحب الطلب معلومات عن السيارة أو السيارات التي ستستخدم في ذلك، والعمال الذين سيكلفهم بهذه الخدمة، على ألا يقل عمر العامل عن 30 سنة، وإذا كان سعوديا فلا يقل عمره عن 18 سنة، وإذا كان العامل غير سعودي فيجب أن يكون على كفالة نظامية للمنشأة التي تقدم خدمة التوصيل، وأن يحمل إقامة نظامية، إلى جانب عدم وجود سوابق للعامل لدى الأمانة أو البلدية أو الشرطة، واستكمال جميع الاشتراطات الصحية للعمال، بالإضافة إلى تعليق العامل البطاقة التعريفية الخاصة بمهنته التي أصدرتها الأمانة في مكان ظاهر خلال العمل.

5 سنوات سجن و5 ملايين غرامة

وسط انتشار ظاهرة التستر التجاري التي طالت عددا من الأنشطة، بيّن مستشار قانوني أنه بالنظر إلى عمل غير السعودي في تطبيقات التوصيل التي صدرت توصية شورية بتوطينها، ونظرًا لما قد يُصاحب هذه الظاهرة من جوانب أمنية وقانونية على مُمَكّني هذه العمالة من مزاولة تطبيقات التوصيل تحت سقف ومُعرِّف مواطن متستر وغير مُدرك خطورة ذلك، فقد نص نظام مكافحة التستر على تطبيق عقوبات ضد المخالفين تصل إلى السجن 5 سنوات أو غرامة مالية تصل إلى 5 ملايين ريال أو بهما معا، ومصادرة الأصول والأموال غير المشروعة لمرتكبي جريمة التستر، منبها إلى أنه يمكن إبلاغ وزارة التجارة عن التستر التجاري، باعتبار ذلك من أهم طرق القضاء على ظاهرة التستر التجاري.

مصادرة الدراجات

من جهتها، توعدت الإدارة العامة للمرور مندوبي توصيل الطلبات المنزلية بمصادرة دراجاتهم النارية في حال عدم التزامهم بالأنظمة المرورية، مؤكدة أن رجال المرور سيحجزون الدراجات النارية المخصصة لتوصيل الطلبات داخل الأحياء، وتحديدا التي لا يلتزم قائدوها بالاشتراطات المرورية التي تؤكد أهمية وجود لوحة للدراجة، ورخصة قيادة وسير، وارتداء الخوذة في أثناء القيادة.

كما نبّهت «المرور» على أصحاب المحال التجارية والمطاعم بأهمية التزام قائدي الدراجات النارية المستخدمة في توصيل الطلبات بالأنظمة المرورية.

وقد أشار مرور الرياض، في إحصائيات جديدة له، إلى أنه تم حجز 2400 دراجة نارية العام الماضي، بينما بلغ عدد الدراجات المحجوزة خلال الشهرين الماضيين 150 دراجة، والدراجات التي تم إطلاقها بعد تصحيح أوضاعها 450 دراجة.