وتعتري اقتسام الإرث كثير من العقبات والعراقيل وعدم الوضوح، ما ينذر بإشعال صراع لا يطفئ شعلته إلا إذا تم التعامل معه بالمبادرة والتغاضي والتسامح والحكمة والإيجابية، وإلا فإنه يقود إلى أروقة المحاكم والتقاضي والنزاع.
مشاكل إرث النخيل
في وقت لا يتم تصوّر الخلافات فيه على العقارات المحددة والواضحة، فإن صور الخلافات تظهر أكثر عند اقتسام أشجار النخيل في الأراضي التي ستوزع كإرث على عدد من الورثة.
وتظهر إشكالية اقتسام أشجار النخيل تحديدًا عندما تكون على حدود فاصلة بين ممتلكات شخصين أو أكثر، ويقول الخبير الزراعي المهتم بتجارة التمور، إبراهيم آل الشهي، إن التقسيم بين الورثة يأخذ أحد شكلين، إما تقسيم بالتراضي بينهم، وهذا هو المعمول به عند كثيرين، أو التقسيم بالقضاء.
ويتابع: تبرز إشكالية أشجار النخيل في القسمة في نجران لانتشار هذه الأشجار بشكل واسع في المنطقة، والنخيل يشترك فيه أحيانًا أكثر من مالك واحد، فقد يكون بين أراضٍ متداخلة، وقد يقع ربع النخلة في أرض شخص، وثلاثة أرباعها في أرض شخص آخر، وقد يكون ثلثها في أرض وبقيتها في أخرى.
وتحفل قسمة النخيل بكثير من الحكايات، إذ لا يبدو غريبًا أن يكون جذع النخلة أو أغلبه في حصة أحدهم، وثماره في حصة آخر، وقد تعترض نخلة ما حدود القسمة بين متجاورين يتعنت أحدهما ويرفض إزالتها أو التنازل عن حصته فيها، متذرعًا بأنها ترتبط بذكريات عاطفية يركز عليها، مؤكدًا أنها نخلة الوالد أو الجد وأنه لا يليق التخلص أو التنازل عنها.
العشوائية وغياب العدل
من جانبه، أبان محمد الصقور أن عدم وضوح حدود ومقدار ما يقتنيه المورث قد يشكل أمرًا خطيرًا على ورثته مستقبلا، خصوصًا حين تكون المساحات عشوائية، وطالب كل من لديه أصولا (عقارات أو أراض أو مزارع أو غيرها) أن ينظمها من البداية، وأن يتحلى ببعد النظر، بحيث يقسمها بشكل عادل ومرض بين ورثته، بدل أن يتحول عدم وضوحها إلى فتيل قد يشعل المشاكل حولها بينهم لاحقا.
لجان الحصر
يرى فهد هادي آل عباس، أن إشكاليات الإرث تتجلى أكثر عند اقتسام الأراضي الزراعية التي يكون صك ملكيتها باسم شخص متوفٍ، وقال «هذه مشكلة يجب النظر إليها بأهمية بالغة، والبحث عن حلول ناجعة لها، لأنها مؤهلة لأن تسبب الخلافات بين الورثة، وهي خلافات قد تتعمق بمرور السنين وازدياد عدد الشركاء في الأرض».
واقترح تشكيل لجان حصر للأراضي من الإمارة، ولجان تطبيق الصكوك بالمحاكم والجهات الحكومية ذات الصلة، وتسوية الخلافات القائمة عليها، ورفع هذه الأعباء عن وزارة الزراعة والدوائر العدلية، إضافة لمنع تكدس القضايا.
وجهاء وجلسات صلح
يعتقد مانع بن صمعان آل نصيب، وهو من المشتغلين في مسائل الصلح المتعلقة بقضايا توزيع الأراضي، أن الجميع يدرك أن ارتفاع أسعار الأراضي الزراعية والسكنية في القرى المتشابكة والمتداخلة بحكم تجاورها، وأن كون أغلبها متوارثًا عن الآباء والأجداد يجعل لها قيمة مادية ومعنوية إضافية، وقال «لذلك لا نستغرب أن نجد الأرض تأتي بعد العِرض والشرف من حيث الأهمية، وغالبًا ما تحدث المنازعات والتناحر بين الأسر والقبائل بشأنها، وعلى الأخص فيما يعرف ويسمى بالنثوق؛ أي الاتساعات في الأودية وجوار الجبال، ناهيك عن الأملاك الجدية، التي تم توارثها من الجد، في القرى، وعند توزيع ما يرثه الأبناء منها يقع كثير من الخصام والمشاجرات، وقد سمعنا وعايشنا قصصًا عدة لخلافات نشبت بهذا الشأن ووصلت إلى حد القتل والإصابات، وليس فقط القطيعة والعداء».
وأضاف «كثير من إشكاليات القسمة يمكن حلها بتقديم تنازلات بسيطة لا تضر، وأتمنى للجميع التحلي بالقناعة وأن يبتعدوا عن الأطماع، وأن يغلبوا العقل والحكمة على الجشع».
درجة القطيعة
يجزم ناصر بن سالم آل عقيل، وهو أيضا ممن اشتغلوا في مسائل الصلح فيما يتعلق بالأراضي وقسمتها، أن من الأسباب التي تؤدي إلى أن يصل الخلاف بين الورثة إلى درجة القطيعة، ضعف الوازع الديني لدى البعض، وتعرض البعض من الورثة للظلم من قبل الورثة الآخرين، وهما أمران يدفعان من يشعر بالظلم لقطع صلته ببقية الورثة الذين يعتقد أنهم ظلموه.
وأضاف «كثيرًا ما تُسقط وفاة المورث الأقنعة، فينكشف الجميع على حقيقتهم، ويبدأ النزاع والشقاق بين الورثة»،
وأكمل «أحيانًا يقطع بعضهم الطريق على الخلافات والشقاق ويوفق إلى مخرج مرضٍ، وأحيانًا تدب القطيعة والمنابذة، وهذا أمر محزن».
وعلى الرغم من أن القطيعة تتصادم في أحيان كثيرة مع الذكريات الجميلة والسعيدة للورثة قبل اقتسامهم إرثهم، إلا أن تغليب العاطفة بما يتيح التسامح عند القسمة لا يكون متوافرًا على الدوام، وبالتالي ينسف الذكريات السعيدة أو يلغي مفعولها.
عواقب نفسية
يشير المعالج النفسي، حسين مسعود زبيد، إلى أن الدراسات النفسية الحديثة ذكرت أن مودة الآباء الذين ينهون اقتسامهم للإرث بشكل مرن وعادل، تمنح أولادهم علاقات نفسية اجتماعية متينة، على أن يُفعّل أهم محور فيها، وهو التعاون المستمر في الأمور المشتركة بينهم، وأن من سلبيات انقطاع التعاون أثناء القسمة بين الأسرة الواحدة تعزيز النزعة الفردانية، ومحاولة تجاوز الروابط الاجتماعية التي يشبهها البعض ـ وبكل أسف ـ بالـ«قيود»!.
وتابع «على الدوام كان هناك حرص على أن يكون النسيج الاجتماعي متماسكًا، وأهم لبنات هذا النسيج هو العائلة، لكن غياب التسامح وعدم الاستعداد لتقديم بعض التنازلات يقود إلى الخلافات ويفجرها ويضخمها كذلك».
مبررات للخلافات عند قسمة النخيل
ـ عدم وضوح الأراضي وتداخلها.
ـ وقوع النخيل على الحدود الفاصلة بين أملاك أكثر من شخص.
ـ قيمة النخيل المادية وكذلك المعنوية باعتباره موروثًا عن الأجداد.
ـ غياب التسامح ورفض التنازل.