لم تعد مصادفة بائعات القهوة والشاي على الطرقات أو في الأحياء والحدائق أمرًا غريبًا، فكثيرًا ما باتت مصادفة نساء يقفن في أكشاك على طرق السفر، أو تحت أشعة الشمس والمظلات البدائية يعملن في بيع القهوة والشاي بكد لكسب لقمة العيش ومساعدة أسرهن.

تقول أم عيسى، وهي بائعة للشاي والقهوة وخبز التنور، على الطريق من الدرب إلى أبها، إنها تتواجد يوميًا هي وبنتها وأولادها في كشك استأجرته عبر فرصة استثمارية لبيع الشاي والقهوة، كما تقوم بإعداد خبز التنور (الدقيق) بالسمسم لعابري ومرتادي الطريق والمسافرين، وتؤكد أنها تجد إقبالًا كبيرًا وتشجيعًا ولله الحمد.

وتضيف «أعمل في بيع الشاي والقهوة والخبز منذ سنوات. إنها فرصة عمل تساعدنا على تحسين دخلنا وتجويد ظروفنا المعيشية، وهذا بحد ذاته دافع كبير يجعلني أتحمل المشاق والصعاب ولهيب التنور وحرارة الشمس والجمر. وأجد في هذا العمل الشريف لذة ومذاقا خاصين».

وتكمل «هناك كثيرات مثلي من النساء الكادحات، فنحن نتحرك ونعمل حسب إمكانياتنا المتواضعة، وقد وجدنا أنفسنا ربات بيوت، ووجدنا أن من واجبنا المساهمة في تحسين أوضاع أسرنا».

رزق وفير

تعمل فاطمة عقيلي في بيع الشاي والقهوة على بسطات الشوارع منذ سنوات طويلة، وتقول لـ«الوطن» «أجد في هذا العمل رزقا وفيرا، وأنا أبيع المشروبات الساخنة (الشاي والقهوة) وكذلك بعض الأطعمة والحلويات والمعجنات والبطاطس، وبفضل من الله أجد إقبالا من زبائني».

وأشارت إلى أنها توفر من عملها مصاريف دراسة أولادها وأغراض البيت، وقالت «في الحقيقة هي تجارة مربحة، رأسمالها بسيط، وكسبها وفير، ونظرة المجتمع لمن يعمل بها اختلفت عنها في السابق، وهناك الآن دعم وتشجيع للبائعات السعوديات حتى في بسطات الشوارع والطرقات وداخل الحدائق والأحياء، فالإقبال علينا أكثر من غيرنا».

وذكرت أن «كثيرات من بائعات بسطات الشاي والقهوة من الأرامل والمطلقات العفيفات، وقد اتجهن إلى كسب لقمة العيش الحلال بعملهن، وبعضهن خريجات جامعيات ولم يجدن عملا سريعا في بداية الأمر، فاتجهن للبيع على البسطات إلى أن أتيحت لهن فرصة الحصول على وظيفة، حيث تركت بعضهن البسطة، فيما استمرت أخريات، كما تحولت بعضهن إلى البيع عبر عربة الفود تراك».

مواجهة الانتقادات

تؤكد أم سعد، بائعة الشاي والقهوة، أنها امتهنت هذا العمل منذ أكثر من 5 سنوات، وتقول «واجهت في البداية كثيرا من الانتقادات، لكني لم ألتفت لها، حتى أصبحت كثيرات يعملن الآن بهذه المهنة، فطالما رزقي حلال فلمَ أتوقف؟».

وتضيف «أدركت مبكرا أن رضى الناس غاية لا تدرك، وأنه ليس هناك ما هو أجمل من أن يكون الرزق من تعبك ومجهودك، وأنصح العاطلين عن العمل في وقت قلّت فيه الوظائف بالعمل والاجتهاد فالمال يأتي عندما نكافح، وكل كفاح يجلب المال، وعليهم ألا ينتظروا أن يأتي إليهم المال، بل عليهم أن ينهضوا بأنفسهم للبحث عنه، وسيجدونه بقدر كفاحهم وسعيهم له».

أبواب كثيرة

تجزم عهد الشقيقي، وهي مهتمة بالإعلام، بأن العمل همة شخص محب للنجاح، وأن أبواب العمل كثيرة، وعلينا طرقها أو فتحها بأفكارنا وهمتنا، وأن نمتلك الأفكار والطموح للتسويق لها، وبائعات القهوة والشاي من هذه النماذج التي تكافح لأجل لقمة العيش متحديات الظروف وبساطتهن في العمل تميزت بجذبها المسافرين وعابري الطرقات، وابتدعت بعضهن أفكارا مثل تقديم خبز التنور وغيره، وكل هذه أفكار أبدعن فيها لتحسين دخلهن ولو قليلا.

وبينت أن الرعاية الإنسانية والتعاون مع هذه النماذج من النساء الكادحات له دور بنّاء في رفع المستوى المعيشي وما يتبعه من تقدير له وقع في النفس ورفع الهمم.

لقمة العيش

أوضح الناشط الاجتماعي علي عبده خيري لـ«الوطن» أن بائعات القهوة والشاي يبحثن عن لقمة العيش ويكافحن من أجل حياة كريمة يوفرنها لأبنائهن، وقد جلسن على الطرقات وعلى كراسي من البلاستيك ينتظرن من يشتري منهن ويجلب لهن الزبائن ويشجعهن على بيع منتجاتهن وعلى دعمهن من المجتمع، وهن أهل للدعم لأنهن يتحملن مسؤولياتهن الأسرية والمعيشية بشجاعة وصبر.

وقال «تواجه بعض الأسر صعوبات ومواقف سلبية من بعض المتعاملين الذين ينظرون إليهن نظرات دونية، أو بتعامل غير لائق، مما يكون له بالغ الأثر في نفوسهن، كذلك هناك من يسيء لهن مما يؤدي إلى انسحابهن من هذه الأعمال وتذمرهن من بعض التصرفات غير اللائقة».