ولكن بالنسبة لعصور الإمامة، فقد كانت هذه الأعراض أهدافًا وإزالتها تعد أهم طموحات مواطنيها.
سماعنا لقصص عهد الإمامة لم يكن يمنحنا صورة واضحة عنهم. وربما لم نكن نصدق بعض قصص ارتباطهم بالتخلف والفقر والمرض، حتى عادت الإمامة مرة أخرى. عندها أدركنا، حق اليقين، أن هذه السمات هي صفات أصيلة في الفكر الإمامي، وأن العلاقة بينهما عضوية وضرورية لا يمكن فصلها.
ومع عودة الإمامة، عاد الجهل والفقر والحرب والمرض، كما كانوا ملازمين لهم عبر تاريخهم.
لقد رأينا جميعًا، وصُدمنا، كيف تحولت حتى جامعة عريقة مثل جامعة صنعاء، التي خرّجت أجيال المثقفين وكبار العقول والأطباء والمفكرين اليمنيين الذين نفخر بهم في أكبر مراكز الأبحاث في العالم، إلى جامعة متخلفة. أصبحت أهم ندواتها مناسبات عنصرية وطائفية عقيمة، يندى جبين كل مثقف وهو يشاهد هذه الفعاليات في أكبر صرح أكاديمي يمني.
رأينا كيف عاد الفقر بصورته الإمامية القاسية، حيث يصبح المواطن بلا حقوق، وفي الوقت نفسه، مصدرًا للجبايات حتى آخر أنفاسه. رأينا كيف تحول البلد فورًا إلى معسكر حرب، يعلن العداء على العالم، وعلى اليمنيين أنفسهم، وحتى على دول وشخصيات تاريخية مضى على زمانهم أربعة عشر قرنًا. رأينا الخطباء يصعدون المنابر ليرعدوا ويزبدوا ضد «أعداء» وهميين، ويدفعون بالمواطن وأولاده إلى خوض هذه الحروب التي ترافقهم عبر تاريخهم. فهم في حالة حرب دائمة مع الماضي والمستقبل.
رأينا كيف عادت حتى الأمراض والأوبئة، التي انقرضت من العالم ولم يعد لها أثر في أي مكان فيه، ولكنها عادت مع الإمامة الجديدة، لتذكرنا بعصور أجدادهم الموبوءة.
كل هذا يدفعنا لإعادة النظر: لماذا اليمن دومًا فريسة لهذه الآفة؟ لماذا اليمن، وهو من أعرق الحضارات وأرقى الشعوب، أصبح اليوم فريسة سهلة للأفكار المتخلفة؟
الأفكار التي لم يعد شعب في القرن الحادي والعشرين تتحملها كرامته كإنسان.
بالتأكيد السبب الأول هو أن الثورة قصّرت كثيرًا في مسألة رفع الوعي، وهذا هو السبب الرئيسي للنكسة.
ولكن اليوم، مهمتنا ومعركتنا جميعًا هي معركة الوعي. إذا لم يرتقِ وعي المواطن – الذي هو وقود هذه الحرب التي تأكل بلده ومستقبله – حتى يصبح محصنًا ضد الفكر المريض والتجييش الشعبوي المتخلف، فلن يتغير الحال.
يجب على المواطن أن يفتح عينيه على الأمم الأخرى في الشرق والغرب، التي تسابق الزمن نحو مستقبل آمن ورغد العيش والحياة الكريمة.
هذه مهمتنا جميعًا، ولا يوجد لنا عذر في التهاون عنها. حتى نرى بلدنا يعيش مثل باقي البلدان، خاليا من المرض والجهل والفقر بإذن الله.