سيبقى هذا السؤال في ثنائية الأصالة والمعاصرة سؤالاً ملحاً وحارقاً لأولئك (العصابيين) العاجزين عن فهم (الحداثة) وطبيعتها الأحدث/السائلة، أما من يعيش الحداثة كحياة طبيعية (دون عصاب) فسيقف مع أبي العلاء المعري وطه حسين لأنه يدرك أن (بصيرتهم) باتجاه (المعنى) أنقذتهم من (حجاب البصر)، فالبصر مهما كنت (زرقاء اليمامة)، سيبقيك أسير (زاويته/زاويتك) فترى الرجال أشجاراً، بينما البصيرة أعلى من (زوايا النظر)، ليبقى أمثال (محمود شاكر، 1909 - 1997) أسرى (متاهة زوايا النظر) رغم ما دوّنه مشكوراً في (أباطيل وأسمار)، ويبقى (طه حسين، 1889 – 1973) هو (عميد الأدب العربي) مهما قلَّب الناظرون في كتبهم دفاعاً عن زوايا نظرهم أمام بصيرته في (الأيام) لنرى (مستقبل الثقافة...).
وأخيراً: نحن العرب (مستقلون تاريخياً) نعم وألف نعم ونعم، رغم الاستعمار الأعجمي بنوعيه (العصملي والإفرنجي) الممتد لقرابة ستة قرون، فقد ولدت جامعة الدول العربية (1945) رغم (الكرب والعصاب) لكننا ككل البشر على كوكب الأرض في الصين أو الهند لسنا (مستقلين حضارياً)، حتى بريطانيا تخلت بلباقة عن قوتها كي لا تنكسر عظمتها، فالاستقلال الحضاري (وهم إمبراطوري) وقع فيه هارون الرشيد أيام (أمطري أنَّى شئت فسيصلني خراجك) فعدنا بعد العباسيين نشتم (الشعوبيين) بأنهم سبب بلائنا فقد نخروا (الاستقلال الحضاري) للإمبراطورية العربية، متجاهلين أن (الاستقلال الحضاري) كعب أخيل الإمبراطوريات، وها نحن نراه في (الولايات المتحدة الأمريكية) وقد شربت الوهم الإمبراطوري في (الاستقلال الحضاري)، فنراها تشتم (الشعوبيين الجدد على مذهبها من المهاجرين وغيرهم) بأنهم سبب بلائها وأنهم نخروا (استقلالها الحضاري) الإمبراطوري. ولهذا أؤكد وأكرر وأعيد أن (الاستقلال التاريخي) ليس (استقلال حضاري) ولا يؤدي إلى قطيعة حضارية، ومن يرى ذلك فليكمل حياته في دولة طالبان لأنها قررت الخلط ما بين (الاستقلال التاريخي) الممكن والمتاح، وبين (الاستقلال الحضاري) المستحيل وغير الممكن، وما تفعله أمريكا بنفسها الآن من خلط بين استقلالها التاريخي ورغبتها (الترمبية) في (الاستقلال الحضاري) هو مؤشر قوي على (كعب أخيل) أفولها الإمبراطوري، أقول: أفولها الإمبراطوري.. وليس أفولها كدولة قوية ضمن أقوى دول العالم.