أثارت دراسات أكاديمية جديدة الجدل حول ما اعتبرته ظاهرة «انخفاض الذكاء البشري»، وزادت المخاوف بشأن تراجع قدرات التفكير والمعالجة المعلوماتية.

وتراجع الذكاء لا يعني الوصول إلى مرحلة الغباء، ولكنه بكل تأكيد مؤثر جدا على المستوى المعرفي والسلوكي للبشر، وهذا قد يتفاقم ليصل إلى مراحل أكثر تدهورا إذا لم تتم تغذية هذا الجانب بالشكل المناسب وتدارك الأمر.

كل هذا أكدته دراسة صادرة عن جامعة ميشيجان، لفتت الانتباه إلى جوانب عدة توضح هذا التراجع في الذكاء.


تغييرات صحية

وفقا للدراسات والأبحاث، أثرت جائحة كورونا بشكل ملحوظ على القدرات المعرفية، خاصة بين الشباب والمراهقين، حيث أدى التباعد الاجتماعي وفترات الإغلاق إلى تقليل الأنشطة اليومية التي تعزز التفكير النقدي وحل المشكلات، فضلا عن تراجع مهارات التواصل نتيجة الاعتماد على التعليم عن بُعد.

الشباب في الدائرة

أشارت الدراسات إلى أن عددا من الشباب والمراهقين يعانون صعوبات في التركيز، مما يُعيق قدرتهم على الدراسة وتحصيل المعلومات، باعتبار أن التركيز عنصر أساسي في عملية التعلم، مما يرفع من خطورة هذه المشكلة نظرا لتأثيرها المباشر على الأداء الأكاديمي.

من جانب آخر، أظهرت الدراسة انخفاضًا في مهارات التفكير النقدي، مما قد يجعل هذه الفئة أقل قدرة على تقييم المعلومات بشكل موضوعي.

وأشار الباحثون إلى أن هذه العوامل قد تؤثر سلبيا على قدرتهم على مواجهة التحديات المعقدة في حياتهم اليومية.

قراءة وحساب

أشارت بعض التقارير إلى انخفاض ملحوظ في مهارات الرياضيات والقراءة لدى الشباب، وهو يعد أمرًا مقلقًا نظرًا لأساسية هذه المهارات في التعلم. في حين عزت الدراسات ذلك إلى نقص البيئة التعليمية الداعمة، والتفاعل الاجتماعي ولو بشكل جزئي.

قدرات معرفية منخفضة

بالإضافة إلى ما سبق، أظهرت الأبحاث نقصًا عامًا في القدرات المعرفية، حيث أدى الانشغال بالتكنولوجيا، الذي زاد خلال الجائحة، إلى تأثير سلبي على طريقة تفكير الشباب، في إشارة إلى أن الاستخدام المستمر للشاشات قد يُسهم في تقليل التفكير العميق والتحليل.

تأثير الذكاء الاصطناعي

مع تزايد اعتماد الأشخاص على الذكاء الاصطناعي لأداء المهام اليومية، يخشى المهتمون والباحثون في هذا المجال أن يؤدي هذا إلى تقليل الحاجة إلى التفكير النقدي.

ولعل أبرز أسباب هذا الاعتماد هو تقديم تحليلات دقيقة تساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة، ومع ذلك أثار هذا التوجه المزخم نحو الذكاء الاصطناعي خشية الباحثين من أن الاعتماد المفرط عليه قد يقلل من القدرات البشرية أكثر. كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التفاعل الاجتماعي قد يُسهم في تراجع المهارات الاجتماعية والعاطفية.

آراء خبراء

في سياق حديثه عن الذكاء الاصطناعي، قال الرئيس التنفيذي لشركة «ديب مايند» التابعة لـ«جوجل»، ديميس هاسابيس: «الذكاء الاصطناعي القادر على مُضاهاة قدرات البشر في أي مهمة لا يزال بعيد المنال، لكنه يتوقع حدوث ذلك في السنوات الخمس إلى العشر المقبلة»، بينما يتوقع بعض الخبراء، مثل إيلون ماسك، أن الذكاء الاصطناعي العام قد يصبح متاحًا في وقت قريب.

مواجهة التحدي

بدورهم، دعا اختصاصيون في علم الاجتماع والتربية إلى تكثيف الجهود، لمواجهة هذا التحدي بالإشارة إلى أن مواجهة تحديات انخفاض الذكاء البشري تتطلب جهودًا متكاملة من الأسر والمدارس والمجتمع، ومن الضروري توفير بيئات تعليمية تفاعلية تعزز من مهارات التفكير النقدي والتركيز لدى الشباب.

كما يجب الموازنة بين استخدام التكنولوجيا الحديثة، والاستمرار في تعزيز القدرات الأساسية للبشر، لضمان مستقبل يتسم بالذكاء والإبداع.

فرصة للتغيير

الاختصاصي في برامج التأهيل النفسي الدكتور نبيل الخنيزي ذكر: «في اعتقادي، فإن التحديات التي يواجهها الذكاء البشري الآن هي من أكثر التحديات تعقيداً للإنسان، حيث يعيش العالم في عصر البيانات غير المنتهية. ومع ظهور الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلم الآلي، سنجد أنفسنا أمام فرص وتحديات معقدة. هذه التقنيات تجعل التحليل والقرارات أسرع وأدق، لكنها تثير أيضا مخاوف حول مستقبل العمل، وكيفية توافق البشر مع هذه التحولات».

وتابع: «كذلك يعاني التعليم تحديات أخرى، حيث نحتاج إلى تعليم يركز أكثر على مهارات التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتعلم المستمر، بدلا من مجرد حفظ المعلومات التي يمكن للآلات أن تقدمها بسهولة».

وأكمل الخنيزي: «الذكاء البشري لم يفقد قوته، فهو الأساس الذي منه انطلق الذكاء الاصطناعي، ويمكن أن تكون الدراسات عن ظاهرة انخفاض الذكاء البشري عامل محفز أكثر لتحسين قدراتنا، واستخدام التكنولوجيا لخدمة الإنسان دون فقدان البُعد الإنساني».