حينما ننظر إلى الإسلام الذي جاء به محمد، صلى الله عليه وسلم، نجد أنه دين يتَّسم بالسهولة واليسر الشديدين، يسرٌ في تعلمه، ويسرٌ في حمله إلى الناس، ويسرٌ في العمل به؛ لذلك تجد قصص إسلام الصحابة لا تشتمل على أسئلة عن غير ما عَرفوا عن دعوة النبي من الخير، فنجد مثالا على ذلك ما روى البخاري عن أنس رضي الله عنه، حيث قال: «بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك، فقال: سل عما بدا لك، فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: اللهم نعم، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: اللهم نعم، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، فقال الرجل: آمنت بما جِئتَ به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر».

فنجد في هذا الحديث تلك السهولة واليسر التي تحدثنا عنها، فجواب رسول الله لهذا السائل كان على قدر مسألته، ومسألةُ الرجل كانت عمَّا يكون من الدين، أي أن ما خرج عن هذه المسألة ليس دينا، فتبقى عبادة الله وحده والصلاة والزكاة والصيام والحج، فمن فعل ما لم يفعله رسول الله فليس من الدين، وإن عده ذلك الفاعل دينا. كما تؤيده الرواية الأخرى عند أحمد عن ابن عباس، وجاء في آخرها: «حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص، قال ثم انصرف راجعا إلى بعيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولى: إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة»، فقد قضى له النبي بالجنة إن لم يزد ولم ينقص، والمقصود بالزيادة هنا زيادةُ ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما فعل العبد غير ما ذَكَرَه السائل، فهو إما من النوافل التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما من الواجبات التي هي عند الحاجة، ومرهونة بتوافر أسبابها كالجهاد في سبيل الله.

كذلك تجد في قصص إسلام كثير الصحابة مثل ذلك، ولكنني اخترت هذه القصة لأنه لا يُطعن فيها بكونها في أول الإسلام، بل هي في أيام استقرار الدين، ومعلوم أن إسلام قبيلةِ بني سعد بن بكر كان متأخرا جدا.


والحوادث غير هذه كثيرة جدا، ونتيجتها واحدة، وهي أن الإسلام، عقيدةً وشريعةً، دينٌ يَسيرٌ سهل يستطيع الإنسان تَعَلُمَه في لحظات، وكان هذا ما يُرغب الناس فيه.

ولما حاد المسلمون عن هذا المنهج السليم في التلقي، وبدأوا يضيفون إلى الإسلام إضافات لم ينزل الله بها سلطانا، بعضها في العقيدة كنتائج علم الكلام الذي أدخله المعتزلة في أواخر عهد بني أمية وأوائل عهد بني العباس، أو في العبادات كما أدخل الصوفية في أوائل عهد بني العباس التخلي عن الناس ولزوم الخلاوي، وبعد ذلك زادت هذه العبادات وبعض زياداتها كانت رغبةً من هؤلاء في التزود لله سبحانه وتعالى، وبعضها كان عن مؤامرة ورغبة خفية في الكيد للإسلام. المهم أن تلك الزيادات في العقيدة والشريعة كانت سببا في الثقل الذي لوحظ على انتشار الإسلام فيما بعد الدولة الأموية، وقد ينكر البعض هذا الثقل، ويحتج بانتشار الإسلام في شرق آسيا وغرب إفريقيا، فالإسلام انتشر في تلك المناطق على يدي أهل البدع، وأنا أقول إن الإسلام انتشر على يد صالحين من حضرموت كانوا يعملون في التجارة، وكان أقل ما يعلمونه للناس في شرق آسيا هو ما معهم من البدعة، ولذلك انتشر الإسلام سريعا بين أهل تلك البلاد كما انتشر الإسلام في عهد الصحابة والتابعين ومن بعدهم، إلا أنه نقص كثيرا بسبب النقص الذي كان يعتوِرُ معلميهم، فنجدهم اليوم على هذا المستوى الذي تعلموا الإسلام عليه، ونسأل لهم الله الزيادة في العلم والمغفرة، وهم أفضل بكثير ممن يعرفون الحق ويتجنبونه عامدين.

أما غرب إفريقيا فقد وصل الإسلام إليهم مبكرا على يد الدولة المرابطية أولا، وهي دولة على الإسلام قبل علم الكلام أو البدع في الدين، ثم انتشر الإسلام على يد دولة صنغي ودولة الهوسا وغيرها من الدول المحلية، وقد شهد انتشار الإسلام ضعفا حينما تخلى المسلمون في إفريقيا عن اليسر الذي قدمنا الحديث عنه، حتى استطاعت الدول المستعمرة أن تُدخل أقدامها هناك، وكان الملك الشيخ العالم عثمان دن فوديو [ت 1232]، بعد أن راجع الطريق الصحيح، قد عمل جهده لصدها، لكنها وجدت في أهل البدع حاضنة ومُرَوِجَة لهم، أو لم تجد فيهم من يقف لصدها.

إن البدع تثقل انتشار الإسلام في هذا العالم، ولا سيما في وقتنا الحاضر الذي يغلب عليه الانفتاح الكامل، ويمكن أن نقول إنها تمنع انتشاره، وذلك أن الإنسان في الهندوسية أو الكنفوشية أو النصرانية لديه مشكلة كبرى في ديانته أصبح الكثير منهم يلتفتون إليها في عصرنا هذا، وهي تعقيدها وكثرة التفصيلات فيها، ولذلك نجدهم حينما يتفكرون في أديانهم يعمدون إلى الإلحاد بنوعيه:

إما إنكار الإله الخالق أو إثبات الخالق مع إنكار أن يكون هناك دين واحد ملزم، وكلتا الحالتين قريبتان من بعضهما من حيث الأثر، وهؤلاء لا يمكن أن يجذبهم سوى السهولة واليسر التي تَكَوٌَن منها أصل الإسلام، فإذا كان دعاء الأنداد الذين يسمون «الأولياء»، سواء عند المحسوبين على السنة أو الشيعة، يُنقل عبر وسائل التواصل، ويقال هذا من الإسلام، فلن نجد المسيحيين الذين يدعون يسوعا ومريم يحسنون الظن بادعاء التوحيد في ديانة فيها آلاف الأولياء الذين يُدْعَون من دون الله، وقل مثل ذلك في الهندوس والكومفتشيين وغيرهم، وإذا كان الله تعالى لا يعرف إلا بالأسئلة الكلامية، وكيف كان له العلو له سبحانه، وكيف استوى، وكيف سمع وأبصر، وغيرها من الأسئلة المقيتة التي أُدْخِلت على المسلمين، وجَعلت منهم فرقاً متباعدة، فسوف يسول لغير المسلم أنه لا فارق بينهم وبين الديانات الأخرى.

وإذا كانت حضرات الصوفية إسلاما، تلك التي يسهرون فيها على الغناء والرقص بحضرة شيخ يتصرفون معه كما يتصرفون مع الإله والعياذ بالله، فليصفوا لنا ما يعنونه بتوحيد الله حيئذٍ!؟

كذلك ضرب النفس وإدماؤها، وإدماء رؤوس الصغار بحجة تذكر الحسين، وما جرى له في مشاهد مروعة لا تروق للعين السوية ولا القلب السوي، فهل يقبل النصراني أو غيره هذا الأمر وإن كان في دينه ما هو شر منه؟

وهذه الأمور وبدع أُخر ليست في هذا الزمان سرا، بل هي ملء برامج الحاسوب المرئية، ويعتقد مرسلو هذه المقاطع أنها حين يبلغ الراؤون لها مئات الآلاف أن ذلك من فرط الإعجاب بها، ولا يعلمون أن معظم المطلعين عليها هم من أبناء الديانات الأخرى، واطلاعهم عليها أصفه بأنه زيادة في بناء الجدار الذي يحول بين الشعوب وبين الإسلام.