منذ ذلك اليوم، الدي دخلت الصين في ما يعرف بقرن الإذلال، حيث توالت الهزائم، وانفتحت الموانئ أمام الغرب قسرا، وتحولت البلاد إلى ساحة مفتوحة للأطماع الأجنبية. بدأ وعي مختلف يتشكل داخل الصين حتى جاء الحزب الشيوعي الصيني، يقود مشروعا للنهضة، كرد مباشر على ذلك الإذلال التاريخي. فمنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، بدأ مسار طويل من الترميم والبناء. على مدار عقود، تحولت الصين من دولة زراعية فقيرة إلى قوة صناعية كبرى، ثم إلى عملاق اقتصادي ينافس على الصدارة. لم يكن ذلك ضربة حظ، بل نتيجة تخطيط محكم، وانفتاح مدروس، وعمل دؤوب. ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الصيني من نحو 150 مليار دولار إلى أكثر من 18 تريليون دولار في عام 2024 لتصبح الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
الصين اليوم التي أصبحت مصنع العالم، وتقوده في مجالات الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المالية. وفي حين يتباطأ النمو العالمي، تواصل الصين الاستثمار في البنية التحتية، والابتكار، والتعليم، والربط التجاري العالمي عبر مبادرة الحزام والطريق.
وعندما فرض الرئيس الأمريكي ترمب رسوما جمركية على المنتجات الصينية، ظن أن بإمكانه تركيع بكين. لكن الصينيين يرون أن ما يحدث ليس خلافا تجاريا، بل محاولة لإعادة التاريخ إلى الوراء، بروح الغطرسة القديمة نفسها، ولكن بأدوات جديدة. غير أن الصين لم تعد تلك التي انحنت أمام بريطانيا. لقد أصبحت قوة قادرة على الرد، والتحدي، والتفاوض من موقع الندية. فهي اليوم ليست مجرد طرف في اللعبة، بل واحدة من صناع قواعدها. لم تعد ساحة مستباحة، بل قوة في قلب المشهد العالمي. خطاب شي جينبينغ في تيانانمن لم يكن مجرد احتفاء بمئوية حزب، بل إعلان عن نهاية زمن وبداية آخر تعلن فيه بأنها لا تهزم مرتين.