أعتذر على تقليب مواجعكم القديمة، لكني سأنتقل بكم إلى الفارق النوعي الذي سيجلو كثيرًا من سوء الفهم والمغالطة التي تنظر من عين معاناتها القديمة إلى الشعوب من حولها، وسأبدأ معكم بكلمة تشرح لكم حقيقة ما قامت عليه الدولة السعودية على يد مؤسس دولتها الحديثة (عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود) ولن أحدثكم عن نضالات هذه الأسرة طيلة ثلاثة قرون ضد (الطغيان العثماني) لكني أحدثكم وفق قاموسكم وأدبياتكم فأقول: إن حقيقة هذه الأسرة تكمن في أنها استجابة لصوت (المستضعفين في جزيرة العرب) ضد استبداد الظالمين طيلة ثلاثة قرون، ولهذا وجه الملك عبدالعزيز حديثه نحو أحد الضيوف الحاضرين في المأدبة الكبرى التي أقامها تكريمًا لوفود حج عام 1349/1931 في قصره بمكة المكرمة، وكان الضيف المقصود بالحديث أحمد وحيد الدين حفيد السلطان العثماني، فقال مؤسس دولتنا له: (لقد أوذينا في سبيل الدعوة إلى الله وقوتلنا قتالًا شديدًا، ولكننا صبرنا وصمدنا) وتابع الملك عبدالعزيز: (إن أعظم من حاربناهم أجداد هذا الرجل ــ يقصد حفيد السلطان العثماني ــ ولم يقاتلونا إلا لأننا امتنعنا أن نقول للسلطان بأننا «عبد أمير المؤمنين»، لا، لا، لا، لسنا عبيدًا إلا لله تعالى: «وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد» راجع صحيفة أم القرى الرسمية العدد (333) الصادرة بتاريخ 13 ذو الحجة 1349 الموافق 1 مايو 1931.
عزيزي المواطن الإيراني إن الملك عبدالعزيز وأبناؤه من بعده وأحفادهم ليسوا إلا امتدادًا لتراث عربي إسلامي يمقت الطغيان، ولا ترى شرفًا لها يفوق شرف (خدمة الحرمين الشريفين)، ولهذا كان أحب الألقاب إلى قلب جلالة الملك هو لقب (خادم الحرمين الشريفين)، وليس (شاهٍ شاه/ملك الملوك) التي نرى في عقيدتنا العربية الإسلامية أنه لقب أقرب للشرك بالله والعياذ بالله، بل ونجد في ملوكنا مقتًا شديدًا للغلو في مدحهم وإطرائهم (راجع رويترز/ 2 يوليو 2017: العاهل السعودي يأمر بوقف كاتب صحفي عن العمل لمغالاته في مدحه).
وهنا لا أستثني ملوكنا لأنهم قلب جزيرة العرب، بل حكام الخليج (مهما اختلفت ألقابهم من سلطنة عمان جنوبًا حتى الكويت شمالًا) ليسوا إلا استجابة صادقة لحاجات قبائلهم العربية التي هم جزء أصيل منها وفيها وإليها، ولهذا يسميهم بعض المستشرقين (شيوخ الخليج) فهم تحول نوعي لتراكم تاريخي طبيعي لمشيخات قبائل جزيرة العرب نقرؤه في أمجادهم «كلٌ بحسبه»، ويبقى بيننا في جزيرة العرب وبينكم في إيران جامع القبلة الواحدة والجوار الجغرافي الأبدي الذي حفزني لتصحيح (طريق المستقبل) بين مواطن ومواطن، فمهما اختلفت وجهة نظرنا في مياه الخليج حيث نراه من زاوية أرضنا (عربيًا) وترونه من زاوية أرضكم (فارسيًا)... فمهما... ومهما... فلم ولن تتغير أقدار الجغرافيا منذ تجارة اللؤلؤ عرفه أجدادنا وأجدادكم، حتى زمن النفط والغاز بيننا وبينكم، أما التاريخ السياسي فبيد القادة العقلاء الحكماء ينسجونه وفق (أدوات الدولة: تعاون اقتصادي تجاري، ثقافي، سياحي... إلخ) وليس وفق (أدوات الثورة: ميليشيات، أحزاب مسلحة، تفجيرات، اغتيالات) يحلب منها أقوام ضروع الذحل والإحن بيننا وبينكم باسم العرق حينًا وباسم المذهب أحيانًا كثيرة، متناسين الحكمة العربية: (تزرع الإحن ثم تشكو حصاد المحن)، حفظ الله أهل الحق والخير والجمال فوق كل أرض وتحت كل سماء فبهم تزدهر الدول وتسمو الشعوب.