انقضت تسعة أعوام منذ أن وقف ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - ليزف للشعب السعودي وللعالم أجمع نبأ إقرار رؤية المملكة 2030 ويكشف عن تفاصيل هذه الوصفة المتكاملة التي كانت فألا حسنا على هذه البلاد. فهي نبعت من هذه الأرض المباركة، وأنتجتها كوادر سعودية مبدعة، بإشراف من قيادة ملهمة تعرف قدر شعبها، وتدرك مدى الطموح العالي الذي يتحلى به أبناؤها ومقدار الهمة التي يتحلون بها. وجاء اعتماد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لرؤية المملكة 2030 ليجسد دعم القيادة الكامل لمسيرة التحول الوطني بقيادة سمو ولي العهد.

كثير ممن تابعوا تلك اللحظات التاريخية من المتابعين والمختصين من خارج المملكة ربما نظروا للرؤية على أنها مجرد تطلعات، ولا يلامون في ذلك لأنه لم تتح لهم الفرصة المناسبة ليتعرفوا على الأمير الشاب، ولم يتعاملوا معه عن قرب. لكن السعوديين الذين تابعوا ذلك الحدث التاريخي كانوا يعلمون أنه يعني ما يقوله تماما وبمنتهى الدقة، وأن ما أشار إليه سيتحقق - بإذن الله - وفق ما أشار إليه وبذات الكيفية وفي الوقت المحدد، لأنهم يعرفونه جيدا، فقد نشأ بينهم وأظهر في سنوات قلائل مقدرات استثنائية وكفاءة نادرة.

في اليوم التالي مباشرة بدأت مرحلة تنفيذ المشاريع، وذلك لأن عناصر النجاح قد تم توفيرها كاملة قبل إعلان الرؤية، وهو ما أدهش جميع المتابعين، ولم تكد تمض شهور قلائل حتى بادرت كبريات الشركات العالمية إلى التسابق لتقديم عروضها للمشاركة في هذا العمل غير المسبوق في تاريخ المملكة.


ومن أول ما يلفت النظر أن من وضعوا هذه الوصفة الشاملة لم ينساقوا وراء أمنياتهم، ولم تحركهم الرغبات، فقد وضعوا في حساباتهم أسوأ الفروض، واحتاطوا لجميع الاحتمالات، واستصحبوا المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية التي قد تحدث، لذلك وضعوا آجالا زمنية مناسبة لإنجاز كل المشاريع. لكن نسبة لجودة التخطيط ودقة التنفيذ والمتابعة المتواصلة فقد تم إنجاز %93 من جملة البرامج والمشاريع قبل خمسة أعوام كاملة من الموعد النهائي مقارنة بالمستهدف النهائي لعام 2030.

واتباعا لأعلى معايير الشفافية فقد تم وضع آلية واضحة لمتابعة العمل وقياس مدى النجاح الذي تحقق، حيث تتم عملية المراقبة عبر لجان متخصصة تستعين بمنظومة إلكترونية متطورة تتيح المتابعة الدقيقة لكل برنامج ومبادرة، مما يضمن تحقيق مستويات عالية من الكفاءة، ويرسّخ نهج المساءلة في العمل الحكومي. كما تتم مراجعة أولويات البرامج بشكل دوري لمواكبة المتغيرات، وتحديث المسارات بما يعزّز كفاءة التنفيذ.

لذلك استطعنا في هذه السنوات القلائل إنجاز ما كان بالأمس ضربًا من الخيال والأحلام، ففي المجال السياسي تبوأت المملكة مكانة عالية بين الدول وأصبحت مركزًا لصنع القرار العالمي، وذلك من واقع الثقل الذي تمثله، والقبول الواسع الذي تحظى به، إضافة إلى أنه لا يكاد يمر أسبوع دون أن يزورها عدد من قادة دول العالم ومسؤولوها للتباحث مع قيادتها الرشيدة وتبادل وجهات النظر.

أما في مجال الاقتصاد فتكفي الإشارة إلى الزيادة التي شهدها الاستثمار والتي تفوق %40 خلال الفترة من 2016 إلى 2024، كما أصبحت المملكة مركزا عالميا لكبرى الشركات العالمية التي تسابقت لنقل مقراتها الإقليمية إليها؛ حيث وصل العدد إلى 571 مقرًا بدلًا من 500 المستهدفة لعام 2030. كما ارتفعت الإيرادات غير النفطية في ميزانية 2024 بنسبة %10 مسجلة ما يزيد على 502 مليار ريال مقابل 457.7 مليار ريال في عام 2023، وقد نجحت برامج الرؤية، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل في لعب دور بارز في رفع هذه الإيرادات.

وفي الجانب الاجتماعي فالمملكة تسير في نهجها نحو تحديث مجتمعها والانفتاح على العالم مع التمسك بالثوابت الدينية والمجتمعية، فقطعت شوطا كبيرا في تمكين المرأة ومساعدتها على تعظيم مشاركتها الإيجابية في نهضة بلادها، وفي هذا الصدد تشير الإحصاءات إلى ارتفاع مشاركة المرأة في سوق العمل إلى %36 مع رفع المستهدف المستقبلي إلى %40 بحلول 2030.

كما أولت القيادة الرشيدة اهتماما خاصا برفع قدرات الشباب وزيادة مهاراتهم عبر برامج الابتعاث إلى أرقى جامعات العالم وتنظيم الدورات التدريبية الرفيعة التي أسهمت في خفض معدل البطالة بين السعوديين إلى %7 مع توقعات بتحقيق التوظيف الكامل بحلول 2030.

ومن أكبر المكاسب التي تحققت خلال هذه السنوات التسعة تلك النهضة التشريعية المتكاملة التي حققتها بلادنا بمتابعة لصيقة من أعلى مستويات قيادتها، حيث تم تعديل العديد من الأنظمة بما يتوافق مع انضمام السعودية لكثير من العهود والمواثيق الدولية، إضافة إلى سن تشريعات جديدة تستكمل النواقص وتردم الفجوة بين الأنظمة الموجودة والحاجة الفعلية للمجتمع، إضافة إلى استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وتُرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتحقّق التنمية الشاملة، وتعزّز تنافسية المملكة عالميًا من خلال مرجعيات مؤسسية.

وبطبيعة الحال فإن مثل هذه المساحة لن تكفي لحصر جميع الإنجازات التي تحققت خلال الفترة الماضية، فهناك القضاء على آفة الإرهاب، واستئصال وباء الفساد المالي والإداري، والتجاوب الكبير مع متطلبات العناية بالبيئة وعناصر الطبيعة، ونجاح برامج الاستدامة المالية وكفاءة الإنفاق وغير ذلك من النجاحات والمكاسب التي تحققت.

لذلك يمكن القول بكل ثقة إن رؤية السعودية 2030 ليست مجرد وصفة اقتصادية محددة، بل هي خريطة طريق شديد الطموح تتضمن مستهدفات واضحة المعالم ومحددة الآجال. كما أن النجاح الكبير الذي تحقق لتجسيدها يثبت أن همة الإنسان السعودي تماثل جبل طويق كما قال عرّاب الرؤية وأمير الشباب الأمير محمد بن سلمان. ومع دخول الرؤية عامها العاشر، يستمر البناء نحو غد أكثر إشراقًا، حيث تتعزز ثقة المملكة بشعبها، وتتواصل مسيرة التنمية بخطى واثقة نحو القمة.