لم يكن العرفان يوما ذُلا ولا كان الجحودُ عزا، لكنها حين تسود الثقافة السلبية في المجتمعات التي يكثر فيها الكذب ويتفشى النفاق يصبح صدقها كذبا، وكَذِبُها من قبيل البراغماتية المقبولة.

في الأسبوع الماضي، مرت بي قصة فارقة، هي من تلك التي تمر بي كل حين، وكنت أظنها ستفرق معي في تعاملاتي اللاحقة، لكن الشخصيات المفعمة بطبيعة ما لا تملك إلا أن ترتكب الشكل نفسه من «الأخطاء المصنعية»، التي امتزجت بها شخصياتها دون تعديل، إذ إن الطبع يغلب التطبع، وكلٌ ميسر لما خُلق له.

كنتُ ارتكب جرم البذل في الواسطات بين زميلين: أحدهما قديم، وله مصلحة في نشر خبر ما، وآخر جديد قادر على النشر في صحيفة صاعدة. تم النشر من الأخير، فشكرته كثيرا بامتنانٍ صادق، لكن صاحب الطلب الأول والمستفيد راح يفتش عن نشرٍ جديد، مقللا مما تم، وزاعما أن صديقنا الجديد الناشر ليس له فضل، وأنه يحاول التجمل على حسابنا، بينما جرى النشر من فوق منهم أعلى من مسئوليته، كما قال.. خاصمته لذلك السبب، قائلا إن تخطىء في العرفان عشر مرات خير من أن تخطىء في النكران مرة واحدة.


ما يميز العِرفان أن هذه الفضيلة تختلف عما قد يشابهها من نقائص، مثل التملق أو المجاملة، أو ما يسمى في العصر الراهن «البراغماتية». إن هذه الصفات الثلاث والتصرفات مرهونة بعطاءات قادمة أو بتحصيل ما هو آت، بينما العرفان هو شكرُ لما قد فات، لذلك هو بريء من أي التصاقٍ بصفات النفاق.

وأخيرا، قال شاعر معاصر:

ما يجعل الأحرار مثل المماليك.. إلا معاريف الرجال إبّعضها