الصين ردت بصمت مدروس. فرضت تعريفات جمركية مضادة بنسبة وصلت إلى 125 %، لكنها لم تسارع إلى إصدار بيانات عدائية أو شعارات نارية. بل اختارت أن تبقي لغة الدولة العميقة هي السائدة، فاستقرت عملتها، وتمسكت بسياساتها النقدية، ولم تعلن عن أي حزم تحفيزية كبرى. وكأنها تقول للأمريكيين: لن نهرب من ساحة الحرب، لكننا لن نحارب بطريقتكم.
اللافت أن الضغوط لم ترتد على بكين وحدها، بل تسربت إلى عقر الشركات الأمريكية. شركة جنرال موتورز خفضت توقعاتها للعام الجاري بمقدار 5 مليارات دولار بسبب ارتفاع تكاليف التوريد والضرائب الصينية. بينما شهد قطاع التكنولوجيا خسائر فادحة في أسهمه بسبب تعطل بعض خطوط الإنتاج المعتمدة على المكونات الصينية.
في المقابل، أظهر الاقتصاد الصيني قدرة عالية على الامتصاص. وبدلا من التراجع، أعلنت بكين عن اتفاقيات جديدة مع دول آسيوية وأفريقية لتوسيع صادراتها، ووقعت اتفاقيات باليوان مع شركاء عالميين، ما يضعف من سيطرة الدولار على بعض خطوط التجارة.
أما أمريكا، فبدأت تدريجيا تلين خطابها. فقد خرج وزير الخزانة الأمريكي قبل أيام ليصرح بأن واشنطن مستعدة للجلوس على طاولة المفاوضات، لكنه ألقى بالكرة في ملعب الصين، مطالبا إياها بالمبادرة إلى تهدئة النزاع. لكن تلك الدعوة بدت فارغة من القوة، وكأنها جاءت بعد فشل الخيارات الأخرى.
في المقاييس الجيوسياسية، الصمود لا يقاس فقط بالرد، بل بالتحكم في رد الفعل. وهذا بالضبط ما فعلته الصين. لم تنجر إلى سباق إعلامي، ولم تدر ظهرها للتجارة العالمية، بل استثمرت في بناء شراكات جديدة، ووسعت من نفوذها بصمت، بينما كانت واشنطن تختنق بصدى تصريحاتها المتضاربة.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل استسلمت أمريكا أمام صمود الصين؟ الإجابة، ببساطة، الاستسلام ليس ضربة واحدة، بل سلسلة من التراجعات المقنعة. وأن ما نراه اليوم هو نسخة أمريكية جديدة، تحاول أن تواجه خصما لا يشبه أعداءها السابقين. خصم لا يستسلم، ولا يبتز، وخصم لا ينسى زمن كانت المستعمرات تتحكم في مصيره وحان الوقت ليخبر العقلية الغربية بأنه التاريخ يكتب تفوقا قادما من الشرق سيغير العالم.
الصين تسير بخطى بطيئة لكنها ثابتة، تعرف أنها تتحدث من مركز قوة، بل ينتزع، وأن من أصبح ينافس على التقدم التقني والذكاء الاصطناعي ويتحكم في السلاسل لا يحتاج أن يطلق الرصاص.