يقدر عدد سيارات الأجرة في العالم بنحو 25 مليون سيارة، تخدم ما لا يقل عن 3 مليارات شخص.
وفي زحام المدينة وصخب شوارعها، تبدو سيارات الأجرة وسيلة نقل عادية لا تثير الانتباه، لكن في مقعدها الخلفي، تختبئ قصص ومغامرات لا تخطر على بال. حيث يتحول هذا الحيز الصغير إلى مسرح يومي تتداخل فيه مشاعر الناس، وتتجلى فيه مواقف محرجة، ومفارقات طريفة، بل وأحيانًا فضائح تخرج عن المألوف.
سائقو الأجرة
لا يرى سائقو الأجرة في المدن الكبيرة في أنفسهم مجرد ناقلين للركاب، بل يتحولون في أحيان إلى شهود على تفاصيل من حياة الآخرين.
وفي مدن المملكة، حيث يكثر السائقون من جنسيات أجنبية، ويقف حاجز اللغة حائلا بين السائق والراكب، أو على الأقل هذا ما يظنه كثير من الركاب، تبدو الحكايات كثيرة، حيث تشهد المقاعد الخلفية لسيارات الأجرة فضفضات هاتفية، أو شجارات عائلية، أو حتى إبرام صفقات، وخيانات، وأشياء أخرى كثيرة.
يقول أرشد محمد، وهو سائق سيارة أجرة إنه تصله كسائق تفاصيل كثيرة لا تروى عادة، لكنه يسمعها ممن يركبون معه، وكأنهم لا يلتفتون إلى وجوده.
ويضيف «ذات يوم شهد المقعد الخلفي شجارا بين زوجين، حتى ارتفعت أصواتهما، ووصل الأمر فيها إلى حدود الضرب».
ويكمل «اضطررت إلى إيقاف السيارة، وطلبت منهما مغادرتها دون دفع الأجرة، فقد حرصت على التخلص منهما قبل أن تتطور الأمور سلبا بينهما، وأجد نفسي معهما في مركز الشرطة».
مكالمات محرجة
يشير صالح عبود، وهو سائق سيارة أجرة من جنسية عربية إلى أنه كثيرا ما يسمع تفاصيل محرجة بين السيدات وهن يتحدثن بالهاتف خلال ركوبهن في سيارته، وقال «يصل الأمر أحيانا إلى حدود الاعترافات العاطفية، فقد ركبت معي فتاة، وراحت تحادث آخر بالهاتف، وتعترف له بحبها له».
وتابع، «الجميل أن المكالمة ذهبت في اتجاه الاتفاق على الزواج، وموعد الخطوبة وحفل الزواج».
وأضاف، «يستخدم كثير من الركاب السيارة كمساحة للخصوصية المؤقتة، سواءً كانوا عشاقًا يتهامسون، أو رجال أعمال يناقشون صفقات خاصة، أو حتى أشخاصًا يفرغون لي ما في قلوبهم من خلال محادثة قصيرة يرونها تسري عنهم عناء المشوار».
وأكمل «يشعرني بعضهم أحيانا بأنني أشبه ما أكون بمستشار نفسي متنقل، وأحيانا أسمع أسرارًا لا تُقال حتى للأصدقاء. بعضهم يثقون بي فقط لأنني غريب ولا يعرفون اسمي».
كشف خيانة
في مشهد آخر، يقول سامر بدر «تحولت سيارتي إلى ما يشبه قاعة محكمة، حيث انفجر أحد الركاب في وجه زوجته متهما إياها بخيانته خلال مكالمة هاتفية كنت أسمع فيها حديثه وأسمع صدى من حديث زوجته على الطرف الآخر».
في موقف محرج آخر، يكشف سائق أنه نقل فنانة إلى فندق فخم حيث فهم أنها كانت على موعد لإقامة حفل في الفندق، لكنها عادت بعد 4 ساعات وهي في حالة انهيار، وراحت تشكو له أنهم لم يعطوها المبلغ المتفق عليه كاملا".
الطرافة حاضرة
لا تحضر القصص المأساوية فقط في المقاعد الخلفية لسيارات الأجرة، فثمة قصص طريفة أيضا، فيقول سائق "نسي راكب لدي مرة حقيبة مليئة بالنقود، لكنني اكتشفت لاحقًا أنه رجل أعمال، وذلك من كارت فيزيت كان في الحقيبة".
ويضيف "اتصلت عليه لأبلغه أن حقيبته معي، ففرح، وأعطاني 1000 ريال مكافأة".
السائق الصامت
فيما تكثر الشكاوى من أن بعض سائقي سيارات الأجرة يعاكسون الركاب، أو يحاولون الاستظراف عليهم، خصوصا حين يكون الركاب من السيدات، إلا أن سائقين كثرًا يفضلون لعب دور الشخص الصامت في الغالب، ويحاولون الحفاظ على خصوصية الركاب على الرغم من فضولهم أحيانًا، حيث يرون في المقعد الخلفي عالمًا كاملًا من الحكايات، لا يُكشف إلا برغبة من يجلس عليه.
رواسب الحياة
يرى المستشار الاجتماعي عبدالرحمن ساعد أن "سيارات الأجرة، بقدر ما تنقل الناس من مكان إلى آخر، فإنها قد تنقل معهم بعضًا من رواسب حياتهم اليومية، وتبقى حافظة لأسرار المدينة التي لا تُقال في العلن".
ويضيف، "يُنظر إلى فضح الأسرار الشخصية أمام سائقي مركبات الأجرة كسلوك يعكس ضعف الوعي المجتمعي بخصوصية الحديث في الأماكن العامة، ويُعدّ تجاوزًا غير محسوب لتلك الحدود، فالسائق، وإن بدا صامتًا، إلا أنه شاهدٌ ومُستمع قسري، وربما ناقل لما سمع دون قصد أو بدافع الفضول أو التسلية".
وأكد "في كثير من الحالات، يتحول المقعد الخلفي في سيارة الأجرة إلى مساحة اعترافات أو نقاشات عاطفية وعائلية ومهنية، ينسى فيه الراكب أن السائق ليس جدارًا صامتًا. وهذا السلوك قد ينتج عنه تسريب معلومات حساسة، أو حتى التسبب في مواقف محرجة عند تكرار الحديث من طرف ثالث".
وتابع "هذا التصرف ينجم عن أحد أمرين: إما الشعور الزائف بالخصوصية داخل السيارة، أو الحاجة النفسية للفضفضة أمام شخص مجهول لا يُصدر حكمًا ولا يعرف المتحدث، مما يشعر هذا الأخير بالأمان المؤقت"، محذرًا من الحديث في الأماكن العامة، وخصوصًا في السيارات، فالسائق قد يكون شخصًا غريبًا اليوم، لكنه قد يصبح شاهدًا على تفاصيل دقيقة غدًا».
وأكد أن التحدث بأسرار شخصية أمام سائقي مركبات الأجرة سلوك غير مقبول اجتماعيًا، ويعكس ضعفًا في تقدير الخصوصية. وينبغي تعزيز التوعية المجتمعية بأهمية حفظ الأسرار، حتى في الأماكن التي نظنها «آمنة».