ومع استفحال هذه الحالات، وانتشارها على نحو ملحوظ، طالب كثيرون، الشؤون الاجتماعية، متمثلة بمكافحة التسول بتشديد الرقابة على هؤلاء، وعلى الأخص عند المحلات التجارية والمطاعم.
خداع المستهلك
يقول منصور القحطاني «صادفت شخصًا عند إحدى البقالات، طلب مني أن أشتري له بعض المواد الغذائية، فاشتريت له ما طلبه، لكني بقيت أراقبه بعد الشراء، فوجدت أنه يعود بما اشتريته له إلى البقالة، فيعيد تلك المواد، ويحصل على مال بدل منها، وحين حاولت اللحاق به فر هاربًا».
وأوضح «هذا أسلوب جديد تتبعه هذه الفئة المخالفة. إنه تسوّل مقنّع يستهدف استدرار العطف بطرق غير تقليدية»، مطالبًا الجهات المعنية بتكثيف جولاتها على البقالات والمحلات التجارية والمطاعم لمنع هؤلاء من التسول الذي يعتمدون فيه على النصب».
إحراج المعطي
من جهتها، أكدت كريمة عبدالعزيز أن «هناك من يمارس التسول بطرق جديدة وذلك باللعب على وتر العاطفة والإنسانية، خاصة عندما يكون المستهدفون عائلات أو أشخاصًا يظهر عليهم الاستقرار المادي».
وتابعت «يتقدم المتسول من الشخص المعني، ويطلب منه بكل لطف: «هل يمكنك شراء حليب للطفل، أو أحتاج خبزًا فقط من الداخل». ما يجعل البعض لا يتردد في تلبية الطلب بدافع إنساني، ولكن حينما يدخل مع المتسوق يجد أنه يأخذ إضافة لما طلبه أشياء إضافية من مواد غذائية أخرى، ما يجعل الضحية يخجل ويدفع الحساب».
استغلال ونصب
يوضح ظافر عبدالمجيد أنه صادف امرأة وابنتها عند مطعم، وقد طلبتا منه مالًا لشراء وجبة عشاء لهما، فعرض عليهما أن تختارا الوجبة على أن يسدد ثمنها، لكنهما أصرتا على أن تأخذا ثمنها بدلًا من شرائها فاعتذر منهما ورفض إعطاءهما، وأوضح «هذه الطريقة قد لا تكون بريئة دائمًا، بل تحمل في طياتها شبهات استغلال وتعوّد على التسول بطريقة أكثر تمويهًا، وقد تكررت شهادات من مواطنين تفيد بأن بعض هؤلاء المتسولين يبيعون لاحقًا ما تم شراؤه لهم، أو ينتشرون ضمن «شبكات» منظمة تستغل التعاطف لتحقيق مكاسب مالية».
استغلال للإنسانية
يوضح الباحث الاجتماعي عبدالرحمن العشري، أن «هذه السلوكيات تُعد مخالفة، حتى وإن اتخذت طابعًا إنسانيًا، ولا بد من الإبلاغ عن هذه الحالات المشبوهة، وعدم دعمها حتى لا تتفشى وتتحول إلى ظاهرة».
وبيّن «هناك جمعيات خيرية تقدم مساعدات غذائية شهريًا لكل من يسجل لديها، وحسب الاحتياج».
وأضاف «تغيرت أدوات المتسولين، لكن الدافع واحد، وهو كسب التعاطف لتحقيق المآرب. وما بين العاطفة والعقل، يبقى الوعي المجتمعي والرقابة الرسمية هما الفيصل في الحد من الظواهر السلبية، وتوجيه المساعدات لمستحقيها الحقيقيين».
وأكمل «هذه الممارسات تُعد مخالفة لنظام مكافحة التسول»، مشيرًا إلى أن التسول، بجميع أشكاله محظور نظامًا، سواء كان بطلب المال أو المشتريات.
وحذر من الاستجابة لمثل هذه الطلبات، مؤكدًا أن الأموال أو السلع التي يحصل عليها هؤلاء قد تذهب لجهات غير مستحقة، أو يتم استغلالها من قبل شبكات منظمة للتسول بهدف الحصول على الأموال، كما أن تجمع هؤلاء المتسولين أمام المحلات والمطاعم قد يسبب إزعاجًا للعملاء ويؤثر على الحركة التجارية.
تطبيق العقوبات
بدورهم، رأى محامون أن على الجهات المعنية تكثيف الحملات الميدانية بالتعاون مع الجهات الأمنية للحد من هذه السلوكيات، إضافة إلى تطبيق العقوبات النظامية بحق المخالفين، والتي قد تصل إلى الترحيل الفوري للعمالة المخالفة، مؤكدين أنه لا بد على المواطنين والمقيمين الإبلاغ عن أي حالات تسول عبر تطبيق «كلنا أمن»، أو من خلال القنوات الرسمية المخصصة لذلك.
وأكدوا أن من يرغب في تقديم التبرع المالي يتقدم عبر القنوات الرسمية، وعبر المنصات المعتمدة مثل منصة «إحسان»، لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه بشكل منظم وموثوق، مذكرين أن نظام مكافحة التسول في المملكة يهدف إلى حماية المجتمع من الظواهر السلبية، وتعزيز ثقافة التكافل من خلال القنوات الرسمية التي تضمن وصول المساعدات إلى الفئات المحتاجة بحق.
إضعاف القيم
ترى الأخصائية النفسية مها الحربي، أن مثل هذه الممارسات قد تؤدي إلى إضعاف قيم العمل والاجتهاد في المجتمع، حيث يعتمد بعض الأفراد على الاستجداء بدلًا من البحث عن مصدر دخل مشروع، كما تضعف روح التكافل الإيجابية القائمة على المساعدة المنظمة (مثل الجمعيات الخيرية)، وتستبدلها بسلوكيات عشوائية.
وقالت «كما أن المواطن يشعر أنه مستغل عاطفيًا من قبل المتسول الذي يستدر عاطفته بطريقة غير مباشرة، مما يخلق توترًا بين أفراد المجتمع، وقد يؤدي إلى فقدان الثقة بين الناس، حيث يصبح التمييز بين المحتاج الحقيقي والمتسول المحترف أمرًا صعبًا».
وأضافت «اعتياد سلوك الحصول على ما يريدون من دون جهد، قد يؤدي إلى انتشار ثقافة الاتكالية، ويضعف الإنتاجية المجتمعية، كما أن المتبرع يشعر بالتوتر والضغط النفسي بسبب الحرج الاجتماعي إذا رفض مساعدتهم».