لم يدهشني التصريح الأصلي الذي أطلقته إحدى المشهورات، لكن المدهش والمسيء هو تكراره لاحقًا على ألسنة الإعلاميين وكأنه موضوع بريء يحتمل وجهات النظر! والمسألة هنا أن مجرد توجيه السؤال للمرأة هو إساءة ضمنية لها وتدن أخلاقي في الحوار.
رغم بساطة الصورة التي يقدمها مشهد غسل المرأة لقدمي زوجها فإن هذا الفعل يكشف عن طبقات عميقة من الرمزية التاريخية والهيمنة الجندرية. فما هو أصل هذه الممارسة وما دلالاتها الأنثربولوجية والدينية وما تأثيرها النفسي في المرأة؟
تشير الدراسات الأنثروبولوجية إلى أن غسل الأقدام ممارسة قديمة ظهرت في مجتمعات متعددة كفعل مرتبط بالطهارة والخضوع. في مصر القديمة- مثلًا- كانت الأقدام تُغسل ضمن طقوس العناية اليومية للنبلاء، وكان من يمارس هذا العمل خدم من طبقة دنيا، مما يعكس تسلسلاً اجتماعياً دقيقاً. لم يكن الغسل هنا فقط من أجل النظافة، بل هو جزء من العرض الطبقي المرتبط بالمرتبة والامتياز، حيث يُعلن الجسد عن موقعه الاجتماعي من خلال من يخدمه. وفي الموروث المسيحي، أخذ الفعل طابعًا أكثر رمزية حين غسَل المسيح أقدام تلاميذه، معيدًا تعريفه كفعل تواضع وحب غير مشروط. غير أن هذا المعنى سرعان ما تلوّن بأبعاد سلطوية حين أعيد توظيفه في الطقوس الزوجية حيث تؤدي الزوجة هذا الدور تجاه الرجل فقط.
في السياقات الثقافية التي يُمارس فيها هذا الطقس ضمن مراسم الزواج، كالهند وأوغندا ومناطق من العالم العربي، يصبح غسل أقدام الزوج ليس مجرد طقس رمزي بل تمرينًا على الدور الجندري المنتظر من المرأة: الطاعة، الخدمة، ونقل المركز من الذات إلى الآخر الذَكري. ما يُقدَّم في بعض الأحيان كـ«رمز للمحبة» أو «لفتة حانية»، غالبًا ما يُمارس في اتجاه واحد! الدراسات الميدانية تُظهر ندرة الحالات التي يُبادَل فيها هذا الفعل، مما يؤكد أنه جزء من بنية أوسع تتضمن تثبيت موقع الرجل في قمة التراتب داخل العلاقة.
ومع ذلك، فإن هذه الطقوس لم تبقَ بمنأى عن إعادة القراءة في العصر الحديث. فقد حاولت بعض النساء توظيف هذا الفعل، لمنحه معنى يخرج به من أسر الخضوع إلى رحابة المحبة المتبادلة. في حالات قليلة، ظهر الأزواج أيضًا وهم يغسلون أقدام زوجاتهم، كفعل رمزي موازٍ، إلا أن هذه الممارسات تبقى محدودة وغالبًا ما تُواجَه بسخرية أو استنكار اجتماعي، مما يدل على عمق الرسوخ الثقافي للتمييز في اتجاه الفعل.
أخيرًا.. يبقى العامل الحميم نقطة حرجة في تحليل هذا الطقس، فقد يكون الأمر مقبولًا في إطار خصوصية العلاقات الطبيعية بين الزوجين، لكن أن يتحول من فعل شخصي إلى مشهد علني. وإثبات موقف يتداول كفعل يكافأ به الرجل (الكفو) هنا تتشابك الرمزية العاطفية مع العرض الجسدي، فيُطلب من المرأة أن تُظهر خضوعها أمام الجمهور، وكأن العلاقة الخاصة تتحول إلى إعلان عام لموقع الرجل في قلب السلطة الزوجية.
اللافت أن هذا المشهد يُبرَّر أحيانًا بأنه «عفوي» أو «نابع من الحب»، لكننا حين نُعيد وضعه في سياق الأنماط الاجتماعية الكبرى، يصبح جزءًا من عرض رمزي يكرس تراتبيات تاريخية أكثر من كونه فعلًا حرًا أو متبادلًا.