طالب متخصصون في الفنون الأدائية في السعودية بالتشدد بإلزام كل فرقة تريد ممارسة هذه الفنون بالحصول على رخصة ممارسة «رخصة فرقة مسرح وفنون أدائية»، وإخضاعها إلى اشتراطات ومعايير تثبت معرفتها ودرايتها بتلك الفنون التي تؤديها، مشددين على أهمية أن تؤدي تلك الفنون بشكلها السليم، مع نشر الوعي بأنواع الفنون في المجتمع المحلي، والإسهام في زيادة الثقافة الفنية، والتأكيد على دعم الفرق ذات الخبرة الطويلة، ومنحها دورًا أكبر في المساهمة لتنشئة أجيال تحافظ على الفنون الأدائية المحلية.

وجاءت تلك المطالبة على خلفية ظهور قليل ومحدود لفرق وصفها المختصون بـ«الدخيلة» على الفنون الأدائية السعودية الأصيلة، دون أن تتمتع بخبرات أداء تلك الفنون، ودون مقدرة على تأديتها بشكلها السليم، بما يشوه الأداء الحقيقي لهذه الفنون.

شطب الأنشطة


قال العضو المؤسس في جمعية التراث السعودي غير المادي، راشد القناص إنه «يجب علينا المحافظة على موروثنا الأصيل والعريق، وكبح جماح كل التأثيرات التي تؤثر في مسيرته، ولا بد من تعزيز وجوده في المجتمع».

وأضاف «من بين الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمنع تشوه الموروث الشعبي، عدم التعاون مع تلك الفرق غير الرسمية التي قد تنشأ هنا أو هناك، وإبلاغ الجهات المسؤولة للتحقق منها وشطب أنشطتها غير الرسمية».

وتابع «على كل فرقة شعبية أن تسعى إلى الحصول على رخصة مزاولة الفنون الشعبية الأدائية حتى يتسنى لها المشاركة في الاحتفالات الرسمية والوطنية والأفراح، ويمكن تعزيز الفنون الشعبية ودعمها في المجتمع بمشاركتها في كافة الاحتفالات والمناسبات الوطنية والعامة وتمجيد دورها الريادي».

تشويه بالمستهجن

شدد القناص على أن وجود فرق «دخيلة» لا يزال محدودا جدا جدا، وبين أن «الفرق الشعبية ملتزمة بالفن الشعبي الأصيل المتوارث، وتؤدي الفنون الموروثة في المناسبات الوطنية والاجتماعية بألحانٍ ونصوصٍ شعريةٍ أصيلةٍ، وهي ملتزمةٍ بقواعد وأحكام الفن الشعبي الأصيل، وبزيٍ شعبيٍ موحدٍ، وآلاتٍ موسيقيةٍ أصيلة، وحركاتٍ فنيةٍ منضبطة، فلو دخلت فرق على الفن الشعبي السعودي دون التزام بأطره الفنية المتوارثة فهي بلا شك ستشوه هذا الفن الأصيل بألحانٍ هجينةٍ وكلماتٍ مستهجنةٍ قد ينبذها الذوق العام، وبذلك يتلاشى هذا الفن الموروث الأصيل وتجهله الأجيال ويحل محله فن هجين مشوه، وأعتقد أن الفرق الشعبية في المملكة حاصلة على تراخيص رسمية لمزاولة هذا النشاط، كما أن هيئة التراث حريصة على الحفاظ على أصالة الفنون الشعبية».

وتابع «سجلت الأحساء على سبيل المثال من قبل منظمة اليونيسكو في شبكة المدن المبدعة في العالم بالفنون الشعبية والحرف التقليدية، وذلك لأصالتها، مما جعلها واجهة مشرفة للوطن في المحافل الدولية، وليس من المنطق ولا من المعقول أن نتخلى عن هذه الأصالة في هذا الإرث الأصيل بالسماح لفرق دخيلة تأتي بألحان ونصوص غير ملتزمة بقواعد هذا الفن الذي نعتز به والذي من واجبنا أن نحافظ عليه ونحميه من العبث».

وأكمل «يمكن تعزيز الفنون الشعبية ودعمها في المجتمع من خلال الإشراف عليها وضبط نشاطها بالتعليمات والتوجيهات والحرص على مشاركتها في المناسبات الوطنية والاجتماعية وفق الضوابط الفنية المتوارثة وتطويرها بالدورات الفنية والمستجدات التي ترتقي بها وتحسنها دون الإخلال بأصالتها».

التعلم والنقل الشفهي

أبان المهندس خليل المويل، عضو جمعية الحفاظ على التراث السعودي، أحد خبراء اليونيسكو، وقد عمل باحثاً في تسجيل فن العرضة السعودية في اليونيسكو، في حديثه لـ«الوطن»، أن في الأحساء وحدها، فرقًا تتجاوز خبرتها الـ50 عامًا في ممارسة الفنون الأدائية (الأحسائية)، إلى جانب ممارسة فنون مناطق أخرى في المملكة، ويصل عدد أعضاء الفرقة الواحدة إلى أكثر من 100 عضو من المنطقة نفسها، وبعضهم من نفس العائلة، مما يعزز روح التفاعل في أداء الفنون، وحفظها بالمشاركة والتعليم والتعلم والنقل الشفهيّ.

وأضاف، «تواتر انتقال الفنون في الفرقة نفسها بين أجيال مختلفة، يسهم في صون وحفظ التراث غير المادي، لذلك من الضروري إعطاء دور أكبر لهذه الفرق، والاهتمام بدعمها لوجستيًا وماديًا، لتسهم في نشر الفنون الأدائية بشكلها السليم وحفظ الهوية الوطنية والبصمة المحلية».

دعم الممارسين الجدد

طالب المويل المؤسسات الثقافية، بأن تبذل جهدًا كبيرًا في الحفاظ على الهوية الوطنية من خلال مشاريع صون التراث المادي وغير المادي على مستوى مناطق المملكة، داعيًا إلى دعم الممارسين الجدد، ومنحهم فرصة تعلم الفنون من خلال الفرق الكبيرة.

وأضاف «أن الفن، ضرورة جمالية لتستقيم الحياة؛ فالإنسان يبحث عن كل ما يملأ وقته، وقد ارتبطت الموسيقى من خلال نقل موسيقى الكون في الظواهر الطبيعية، وأصوات المخلوقات، والأصوات الجميلة من طرق آلة أو اهتزاز وتر أو نفخ في أداة، وبتكرارها انسجم الإنسان مع بيئته، وبدأ يردد نغمات الطبيعة من حوله فشعر بنشوة، ثم نقل هذه النشوة لمن حوله فتكونت ذائقة جماعية، فالصوت هو المحرك لإنجاز عمله وإتقانه».

الجغرافيا المتباينة

أوضح المويل أنه «نشأت على أرض الأحساء فنون ارتبطت بجغرافيتها المتباينة بين البر والبحر؛ فكان البر بسهله وجبله وصحرائه وخضرته، وكان الماء بخليجه وبحره وبحيراته وعيونه، وفوق هذه الأرض ولدت الحياة وتجملت بفنونها».

وأشار إلى أن «المكان يؤثر في أصحابه ويطبع عليهم من صفاته مما يجعلهم صورة للمكان وبصمة لا تخطئها أذن السامع الحذق، حين يسمع لحنًا أو أغنية، وكان الفنان هو الوسيط الحضاري لنقل الفن».

- متخصصون يؤكدون ضرورة ضمان معرفة الفرق للفنون الأدائية قبل ترخيصها.

- تشديد على أهمية التراث وأن التجديد لا يجب أن يصل مرحلة التشويه.

- مطالبات بدعم فرق الأداء الخبيرة للمحافظة على أصالة التراث.