جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم (251 - 25/13) والذي قرر فيه (أن ما يُسمّى اليوم تغيير الجنس أي تحويل الذكر إلى أنثى أو الأنثى إلى ذكر محرم شرعًا لأنه تغيير لخلق الله، ويدخل تحت قوله تعالى: (فليغيرن خلق الله) ولحديث النبي ﷺ في لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وأن هذا التغيير في أحسن أحواله ظاهري لا يغيّر الحقيقة البيولوجية، ولذلك تبقى الأحكام الشرعية المتعلقة بالميراث، والنفقة، والحضانة وغيرها كما كانت قبل العملية، مع الدعوة الصريحة إلى منع هذه العمليات والتوعية بمخاطرها، وتوجيه من يعانون اضطراب الهوية إلى العلاج النفسي لا الجراحة)، لكن هذا الحكم يحتاج إلى توضيح الفرق بين الخنثى الخِلقية وهي حالة معروفة قديمة في الفقه الإسلامي، وبين حالات الميول الجنسية وعمليات التحويل الجراحي التي ظهرت بصورتها الحالية حديثًا. فالخنثى الخِلقية (intersex) هي حالة يولد فيها الإنسان بتشوّه أو غموض في الأعضاء التناسلية أو الكروموسومات، بحيث يصعب الجزم من الوهلة الأولى هل هو ذكر أم أنثى، وهذه الحالة وصفها الفقهاء منذ القرون الأولى باسم «الخنثى المشكل»، ووضعوا لها أحكامًا دقيقة في الميراث والعبادات وسائر المعاملات. واليوم يساعد الطب الحديث في الكشف عن الجنس الغالب عن طريق: الكروموسومات، وقياس معدلات الهرمونات، والكشف عن الأعضاء التناسلية الداخلية، وبنية الجسد العامة، فإذا رجّحت الفحوص جانبًا معيّنًا، كان المطلوب شرعًا تصحيح الظاهر ليتوافق مع الحقيقة البيولوجية الغالبة، أي أن التدخل الجراحي هنا ليس تغييرًا لخلق الله، بل هو إزالة عيبٍ خِلقيٍّ وإظهار ما خلقه الله في الأصل، لذلك أجاز العلماء المعاصرون بالإجماع عمليات التصحيح في حالات الخنثى الخِلقية، لأنها من باب العلاج ورفع الحرج، لا من باب العبث بالهوية الجندرية، أما ما يسمى اليوم بتغيير الهوية الجنسية (Gender Identity Change) والتي تشير إلى رغبة الشخص في الانتقال من جنسه البيولوجي إلى جنس آخر عبر إجراءات اجتماعية أو هرمونية أو جراحية، بناءً على إحساس داخلي يسمّى «الهوية الجندرية»، وهذا الإحساس قد لا يتطابق مع جنسه البيولوجي الواقع والمتكامل، ويُعرف في الطب النفسي باسم: اضطراب الهوية الجندرية (Gender Identity Disorder) أو التعاسة الجندرية (Gender Dysphoria) وهو اضطراب نفسي يتمثّل في شعور شديد بعدم الارتياح تجاه جنسه البيولوجي، وليس له أي علاقة بوجود أعضاء تناسلية غير واضحة، فالرؤية الإسلامية هنا تقوم على أمرين متلازمين:

1- التعاطف مع المعاناة النفسية لهذا الإنسان واعتبارها ابتلاءً يستحقّ العلاج والدعم والأسرة الحانية والرعاية الطبية والنفسية المتخصصة.

2- رفض تحويل هذا الابتلاء واستغلاله إلى هويةٍ مقنَّنة أو سلوكٍ مُشرعن.


فالشذوذ الجنسي وممارسة اللواط والسحاق محرّمة بنصوص صريحة، وتغيير الجنس الجراحي محرم لأنه تغيير لخلق الله واستسلام لوهمٍ نفسي لا يغيّر الحقيقة الخِلقية، لذلك شدّد قرار مجمع الفقه على ضرورة توجيه من لديهم اضطرابات أو وساوس في الهوية الجنسية إلى العلاج السلوكي والنفسي لا إلى الجراحة أو التبني القانوني لهويات جديدة. ورؤية العلماء في هذا الأمر تهدف إلى منع الأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية المواكبة في المضي لتحقيق هذه الأهداف التي تخالف الشرع والفطرة السليمة؛ فعمليات (تغيير الجنس) أو ما يسمّى بـGender Reassignment) Surgery) ليست جراحات بسيطة بل ترتبط بمضاعفات بولية وتناسلية مزمنة، وآلام، واضطرابات في الوظيفة الجنسية، وأحيانًا مشاكل في السيطرة على البول أو الالتهابات المتكررة. والعلاج الهرموني طويل الأمد قد يزيد مخاطر الجلطات، واضطرابات الكبد، وهشاشة العظام، ومشاكل القلب والأوعية، وحتى بعد التدخلات الجراحية والهرمونية، تشير دراسات واسعة إلى أن معدلات الاكتئاب والأفكار والمحاولات الانتحارية تظل أعلى بكثير من عموم السكان، ما يعني أن الجراحة لا تمحو الجذر النفسي للمشكلة.

ويبقى الطريق العلاجي الأقوم والموافق للفطرة والدين القويم هو معالجة الجذر النفسي والإيماني والأسري، لا الهروب إلى جراحة وعقاقير تغيّر الظاهر ولا تعالج عمق المشكلة. وللجميع أن يتخيل تبعاتها الأسرية والاجتماعية حين يعلن أحد الزوجين تحوّله، فحينها يتعرّض عقد الزواج للانهيار، ولذلك نص قرار المجمع على حق الزوجة في فسخ العقد إذا حوّل الزوج نفسه ظاهريًا إلى أنثى، وحق الزوج في تطليق زوجته إذا حوّلت نفسها إلى ما يشبه الذكر، ولا يقف الحد عند العلاقة الزوجية بل يمتد إلى اضطراب هويّة الأبناء، فهم يجدون أنفسهم أمام أب أو أم تغيّر شكله واسمه ودوره، ما يترك آثارًا عميقة في نموهم النفسي وشعورهم بالأمان الأسري، ناهيك عن حالة الصدام مع القيم المجتمعية والدينية، وما يجرّه من عزلة اجتماعية، أو محاولة خلق «مجتمعات موازية» قائمة على رفض قيم الأغلبية، والمملكة العربية السعودية تبنّت موقفًا واضحًا في المحافل الدولية ضد محاولات فرض مفاهيم «الهوية الجندرية» و«الميول الجنسية» كمرجعيات قانونية ملزمة للجميع. ففي مداخلاته بالأمم المتحدة، أكّد السفير ــ سابقا ــ عبدالله المعلمي أن: الله خلق الإنسان ذكرًا وأنثى، وأن ما سوى ذلك مخالف للفطرة، وأن مصطلحات مثل «sexual orientation» وgender identity تتعارض مع تاريخ المملكة وتشريعاتها، وكذلك مع مواقف كثير من الدول الأخرى، وأن الديمقراطية الدولية الحقيقية يجب أن تقوم على احترام القيم الدينية والثقافات الوطنية، لا على فرض رؤية أيديولوجية واحدة على الجميع، كما أن استطلاعات رأي محلية أظهرت أن غالبية السعوديين تنظر إلى موضوع المثلية وتغيير الجنس بوصفه منافيًا للفطرة والدين والقيم الاجتماعية، وتساند موقف المملكة في رفض إدراج هذه المفاهيم في قرارات الأمم المتحدة. هذا الموقف السعودي ينسجم تمامًا مع قرار مجمع الفقه، ويؤكد أن رفض تغيير الجنس والشذوذ الجنسي ليس موقفًا دينيًا معزولًا، بل هو جزء من سياسة قيمية للدولة تحمي الأسرة والطفل والمجتمع، كما (بيّن البيان الصادر عن لجنة الممارسات المهنية بالمركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية الضوابط المنظمة للتعامل مع اضطرابات الهوية الجنسية، وأوضح الفرق الجوهري بين هذه الاضطرابات وبين الحالات العضوية؛ وقال هذا البيان إن اضطراب الهوية الجنسية ليس مرضًا نفسيًا تقليديًا، بل هو اضطراب في الهوية الذاتية دون وجود خلل عضوي أو كروموسومي، ويختلف ذلك تمامًا عن حالات الخنثى الخلقية التي تكون فيها الأعضاء التناسلية أو الكروموسومات غير واضحة منذ الولادة. وأوضح البيان أن المصاب غالبًا ما يعاني من الاكتئاب والعزلة وإيذاء النفس وارتفاع معدلات الانتحار، ويحتاج المريض إلى متابعة طويلة المدى وتدخلات علاجية نفسية مكثفة، وأكّد البيان أن الضوابط الطبية والأخلاقية في المملكة تُمنع التدخلات الجراحية لتغيير الجنس في حالات اضطراب الهوية الجنسية التي لا يوجد معها سبب عضوي مثبت، ويُسمح بالتدخل الجراحي فقط في الحالات ذات الأسباب الطبية الواضحة مثل الخنثى، والتشخيص والعلاج يجب أن يكونا عبر فريق متعدد التخصصات للوصول إلى تقييم دقيق وضرورة تقديم دعم نفسي واجتماعي وأسري، وتوضيح مخاطر العلاجات الهرمونية والجراحية غير المقبولة طبيًا أو أخلاقيًا، وإعداد دليل وطني موحّد للتعامل مع حالات اضطراب الهوية الجنسية مع التزام جميع الممارسين بالضوابط المهنية والأخلاقية المذكورة بما يتوافق مع المعايير الطبية والأخلاقية في المملكة العربية السعودية)... ومن اللافت للنظر أن الجدل حول الهوية الجندرية ليس مقتصرًا على المجتمعات الإسلامية؛ بل حتى داخل الدول الغربية نفسها، فالرئيس الأمريكي دونالد ترمب اتخذ سلسلة قرارات تهدف إلى منع المتحوّلين جنسيًا من الخدمة في الجيش الأمريكي، بدعوى أن الهوية الجندرية غير المتوافقة مع الجنس البيولوجي لا تنسجم مع متطلبات الجاهزية العسكرية، وأن تكاليف العلاج الجراحي والهرموني تمثل عبئًا على المؤسسة العسكرية. وقد أعادتها أوامر تنفيذية، ثم أقرّتها المحكمة العليا مؤقتًا ريثما تُستكمل الدعاوى القضائية. وبصرف النظر عن تقييمنا لهذه السياسات، فإنها تبيّن أن الاعتبارات الواقعية والصحية والأمنية والفطرية تجعل حتى أنظمة ليبرالية ومجتمعات غير إسلامية تتراجع عن بعض شعاراتها حين ترى آثارها العملية، وهو ما يعزّز وجاهة الموقف الشرعي الذي يدعو للتريث وعدم الاندفاع وراء موجات أيديولوجية منحرفة وعابرة.

الشذوذ الجنسي والإتيان بعمل قوم لوط والسحاق ليست اضطرابات نفسية، وعمليات تغيير الجنس ليست مجرد إجراء طبي أو نزوة نفسية عابرة، بل هو هدم وانتكاس للفطرة التي فطر الله الناس عليها، وتعدٍّ صريح على نظام الخلق الذي أحكمه الله في كتابه، فقال عز وجل (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) فأي محاولة لطمس هذه الفطرة، أو إعادة تشكيلها وفق هوى النفس، إنما هي انسلاخ عن حكمة الخالق، وانغماس في فتنة الشيطان الذي أقسم قائلًا: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) ولهذا جاءت الشريعة الغراء مانعةً لكل ما يؤدي إلى قلب الحقائق أو تبديل الخلقة الأصلية بلا ضرورة، لأن ذلك ليس علاجًا، بل اعتداءٌ على الجسد الذي جعله الله أمانة، وامتحانًا لعبده. وفي الحديث الصحيح قال النبي عليه السلام: (لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) وهذا دليلٌ صريح على تحريم التشبه فكيف بمن يذهب إلى الجراحة والهرمونات لتغيير خلقته من الأساس.