في عالم الجودة الحديثة، لا تكفي الانطباعات أو التقديرات الشخصية للحكم على نجاح أي عملية؛ فالأرقام هي اللغة التي لا تكذب، وهي التي تمنحنا صورة دقيقة عن الأداء. ومن هنا يأتي مفهوم قدرة العملية باعتباره أداة إحصائية تترجم أداء العمليات إلى لغة أرقام واضحة يمكن للجميع فهمها واتخاذ القرارات بناءً عليها. ويبرز هذا المفهوم ليجيب عن سؤال جوهري، هل العملية التي نقوم بقياسها ذات قدرة وتحقق النتائج المطلوبة بشكل مستمر وموثوق؟

قدرة العملية أداة إحصائية توضح مدى توافق مخرجات أي عملية مع الحدود أو المواصفات المحددة مسبقًا. فإذا كانت العملية مستقرة، يمكننا حساب المؤشرات لمعرفة مدى قدرتها، ومدى التفاوت الطبيعي وملاءمته مع المواصفات، وقرب متوسط النتائج من منتصف منحنى القدرة. وكلما ارتفعت هذه المؤشرات دلّ ذلك على أن العملية أكثر قدرة على تحقيق الجودة المطلوبة. فكما يحتاج الطبيب إلى أجهزة لفحص صحة المريض، تحتاج المنظمات إلى أدوات لفحص صحة عملياتها، ومن أبرزها المخططات البيانية لتوزيع النتائج، ومخططات التحكم لمراقبة استقرار العملية عبر الزمن، ودراسات المقدرة لتقدير الأداء. فمؤشرات قدرة العملية تعكس القدرة النظرية والعملية الفعلية لصحة عمليات المنظمة.

نهتم بهذه المؤشرات لأنها ببساطة تعني الفرق بين النجاح والفشل؛ فهي تعني أن جودة المنتج أو الخدمة تستحوذ على رضا العملاء، كما تعني أن الأخطاء والهدر قليل، وأن التكاليف منخفضة. ليس ذلك فحسب، بل تشير أيضًا إلى أن القرارات كانت مبنية على بيانات دقيقة، مما يؤهل المنظمة إلى قدرة أكبر على المنافسة العالمية. إن قدرة العملية ليست حكرًا على خطوط الإنتاج في الصناعة، بل تشمل الخدمات مثل قياس قدرة مركز الاتصال على الرد في الوقت المحدد، وفي الصحة عبر تقييم المستشفى على تقليل وقت الانتظار، وكذلك في التعليم عبر قياس قدرة العملية التعليمية على الوصول إلى مستوى الإتقان المحدد مسبقًا.


ومن أهم فوائد قدرة العملية، تحسين الجودة بشكل مستمر، وكشف نقاط الضعف في العمليات، فهي لغة مشتركة بين الإدارات المختلفة، كما أنها تدعم مبادرات التحسين والتطوير المستمر تمامًا كما هو الحال في منهجية ستة سيجما، إذ يرتبط مفهوم القدرة بها ارتباطًا وثيقًا. فهذه المنهجية تهدف إلى تقليل التباين والوصول إلى مستوى شبه معدوم من العيوب، وتُعد قدرة العملية أساسًا لرفع الكفاءة والإنتاجية. وكلما ارتفعت مؤشراتها دلّ ذلك على أن العملية أكثر قدرة على تحقيق الجودة المطلوبة.

مفهوم قدرة العملية ليس مجرد أداة إحصائية، بل هو فلسفة تهدف إلى ضمان أن كل عملية، سواء كانت إنتاجية أو تعليمية أو خدمية، قادرة على تحقيق النتائج المطلوبة باستمرار. فلم يعد الحديث عن الجودة مجرد شعار، بل أصبح ضرورة. وهنا تبرز قدرة العملية باعتبارها لغة الأرقام التي تكشف لنا حقيقة الأداء بعيدًا عن الانطباعات. إذ تعرف مقدرة العملية أيضا بأنها قدرتها على تحقيق متطلبات ومواصفات التصميم. ويقصد بالضبط الإحصائي فيها أي المحافظة على استقرارها ضمن حدود عليا ودنيا محددة، بحيث يكون التباين صغيرا بما يكفي لإنتاج منتجات مطابقة للمواصفات المطلوبة. ومع ذلك، قد يحدث أن تكون العملية تحت السيطرة إحصائيا لكنها لا تنتج سلعا أو خدمات وفقا لمواصفات التصميم. ويرجع ذلك إلى أن حدود الرقابة في مخططات الضبط لها تُحسب اعتمادا على الوسط الحسابي والانحراف المعياري للعينة، وليس على حدود المواصفات التصميمية نفسها. فهي المقياس الذي يخبرنا إن كانت العملية التي نقوم بها في المصنع أو المدرسة أو المستشفى قادرة على تحقيق النتائج المطلوبة باستمرار. وباستخدام أدوات القدرة نستطيع أن نعرف إن كانت العملية مستقرة وذات قدرة، أو أنها بحاجة إلى تحسين. هذه الأرقام ليست مجرد حسابات، بل هي بوصلة توجه المنظمات نحو الجودة، وتقلل الأخطاء والهدر، وتزيد من رضا العملاء والمستفيدين. ومن خلال ارتباطها بمنهجيات مثل ستة سيجما والجودة الحديثة، تصبح قدرة العملية أداة عملية لتحقيق التميز. ففي النهاية، عندما نتحدث بلغة الأرقام نصبح أكثر قدرة على رؤية الواقع كما هو، واتخاذ قرارات تقودنا إلى مستقبل أفضل.