هادي اليامي

رغم أن وباء كورونا فاجأ الجميع في كل أرجاء المعمورة، إلا أن قيادة المملكة العربية السعودية أكدت قدرتها على تقديم نموذج للقيادة في وقت الأزمات، باتخاذ قرارات شجاعة على المستوى الوطني والإسلامي والعالمي.

ومنذ اليوم الأول لانتشار الفيروس في منطقة الخليج، قامت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بسلسلة من الإجراءات أثبتت الأيام أنها كانت قرارات حكيمة، قامت على مصلحة المواطن والمقيم معا، وأخذت في حساباتها مصالح السعودية والعالمين العربي والإسلامي، بل وكل الإنسانية جمعاء.

فكيف نجحت القيادة السعودية في إظهار روح الإنسانية في كل قراراتها؟ وإلى أي مدى يمكن للبشرية أن تستفيد من هذا النموذج وتلك القرارات التي تشكل أرضية ونموذجا للتعامل وقت الأزمات والكوارث؟.

الإنسان أولا

من يراجع القرارات التي اتخذتها المملكة فيما يتعلق بأزمة كورونا، يتأكد أن الإنسان هو الشغل الشاغل لقيادة المملكة، التي لم تفرق في الحقوق الصحية بين مواطن أو مقيم، بل حتى المقيمين المخالفين لقواعد الإقامة أكدت القرارات الملكية أحقيتهم في الحصول على الخدمات الصحية بما يؤكد أن «الإنسان يأتي أولا» في جميع القرارات التي تتخذها المملكة، والتي تضمنت بشكل واضح وصريح إتاحة الوصول إلى الخدمات الصحية اللازمة على نحو مأمون من جميع المواطنين والمقيمين دون تمييز، وهو ما يعكس التطبيق الحقيقي لتعاليم الإسلام، واهتمام خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، بالإنسان المقيم في هذه البلاد أيّاً كانت ديانته أو عرقه، وبصرف النظر عن شرعية إقامته في المملكة، وهذه ذروة الاهتمام العملي بحقوق الإنسان، والمكافحة الفعالة لفيروس كورونا. كما حرصت القيادة السعودية على جودة الخدمة الصحية وملاءمتها علميّا وطبيّا وفقا لطبيعة هذا الفيروس سريع العدوى، ولهذا يشيد الجميع بهذه القرارات التي قدمت المملكة للعالم كنموذج رائد في احتواء هذا المرض، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها دولة بحجم السعودية، معروف عنها اتساع رقعتها الجغرافية، وتعدد منافذها الجوية والبحرية والبرية، وتحقق كل ذلك لأن القيادة السعودية اتخذت قرارات صارمة وقوية وحاسمة، حتى قبل إعلان منظمة الصحة العالمية «كورونا» وباء عالميا، وتجلى ذلك بوضوح عندما منعت السعودية الزوار بما فيهم المعتمرون من زيارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة بداية من نهاية فبراير الماضي.

ورغم أن بعض الحناجر حاولت تشويه هذه القرارات، إلا أن القيادة الحكيمة لم تلتفت إلى مثل هذه الأصوات، وجعلت الإنسان وصحته وحياته خيارها الأول والأخير، وهو ما ساعد على إبطاء انتشار فيروس كورونا في أرجاء المملكة والعالم الإسلامي، وكل ذلك انطلاقا من دور المملكة الإنساني والريادي تجاه المجتمع الدولي، واستشعارا منها بأهمية هذا الدور المؤثر في رفع المعاناة عن الإنسان، ومواصلة النهج في مدّ يد العون للمحتاجين حول العالم، خصوصا في مثل هذه الأزمات الصحية.

ظهرت روح القيادة السعودية عندما دعت الرياض إلى القمة الاستثنائية لدول العشرين، عبر الشبكة الافتراضية، ونجحت في الخروج بحزمة من القرارات الدولية التي ساعدت في توحيد الجهود الدولية لمكافحة الوباء، والتقليل من آثاره الصحية والاقتصادية، بل يمكن القول إن اجتماع قمة العشرين بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، كان «العلامة الفارقة» في مسيرة البشرية نحو التعاون والتعاضد لمكافحة كورونا، إذ سادت قبل القمة لغة المؤامرات والاتهامات المتبادلة بين القوى الكبرى، حول مسؤولية كل طرف عن الوباء، لكنّ خادم الحرمين الشريفين استطاع توحيد كل الأصوات الدولية في اتجاه واحد، يقوم على تعزيز التعاون المشترك لمواجهة الفيروس، وحماية الاقتصاد العالمي، خلال الاتفاق على ضخ 5 تريليونات دولار، والسعي إلى التوصل بأسرع ما يمكن إلى علاج يقي البشرية من الفيروس، وهو ما يؤكد أن قيادة قمة العشرين هي امتداد لجهود المملكة على الساحة الدولية لقيادة العمل المشترك العالمي، لما فيه خير الإنسان، بغض النظر عن جنسه وجنسيته، إذ يعمل خادم الحرمين الشريفين، وولي العهد، على تحقيق التعاون لما فيه خير الإنسانية جمعاء.

وحاليا، تعمل المملكة مع دول العالم للتصدي لفيروس كورونا، والتقليل من آثاره على مختلف نواحي الحياة، صحياً وتنموياً واقتصادياً واجتماعياً، من خلال أكبر تجمع اقتصادي وسياسي عالمي، ولم تكتف المملكة بهذا الموقف القائد للمجتمع الدولي ضد أخطار الفيروس، بل قدمت دعما ماليّا لمنظمة الصحة العالمية قدره 10 ملايين دولار، إضافة إلى ما قدمه مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية من مساعدات صحية لليمن، شملت أدوية ومستلزمات طبية ووقائية وعلاجية بقيمة 3.5 ملايين دولار، لمواجهة وباء كورونا المستجد، وأيضا تقديم مساعدات للصين، تمثّل في تأمين أجهزة ومستلزمات طبية عن طريق عدد من الشركات العالمية لمكافحة فيروس كورونا، فضلا عما قدمته السعودية للشعب الفلسطيني لمواجهة فيروس كورونا.

وتتجلى روح القيادة السعودية في مجال الطاقة العالمية، من خلال ما قامت به المملكة من جهود واجتماعات، هدفها تحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية.

فقد نجحت قيادة المملكة في إقناع الدول الأخرى في إنتاج النفط، سواء أعضاء أوبك أو من خارجها «أوبك +»، بـ«خريطة طريق» تضمن استقرار سوق الطاقة، ليس فقط خلال الشهرين القادمين بل حتى عام 2022، إذ أقنعت المملكة شركاءها في «أوبك وأوبك +» بتخفيض الإنتاج لأكثر من 10 ملايين برميل يوميا خلال مايو ويونيو القادمين. وبعد يونيو 2020 وحتى ديسمبر 2020 سيتم تقليص التخفيضات من 10 ملايين إلى 8 ملايين برميل يوميا، ثم إلى 6 ملايين ابتداء من يناير 2021 إلى أبريل 2022، وهذه حكمة سعودية كبيرة عبّرت عنها الأسواق العالمية بسرعة، إذ ارتفع سعر برميل النفط 10 % فور التوصل إلى هذا القرار الذي أشادت به كل المؤسسات الاقتصادية الدولية.

كما نجحت المملكة في الحصول على دعم لهذه القرارات لاجتماع وزراء الطاقة على مستوى دول العشرين.

كل هذا النجاح على المستوى الوطني والإسلامي والعالمي، يؤكد أن عالم ما بعد كورونا سيشهد ترسيخا للمكانة الخاصة والمميزة التي تحظى بها المملكة، إقليميّا وإسلاميّا ودوليّا.