عبلة مرشد

تبذل وزارة الإسكان جهودا ملموسة في تطوير برنامجها التنموي، المعني بتيسير الدعم السكني للمواطنين، بهدف زيادة نسبة امتلاكهم لسكن يناسب إمكاناتهم وظروفهم، بما يسهم في تحقيق الأمن الاجتماعي والاستقرار النفسي لهم، وبما يخدم مستهدفات رؤية 2030 نحو رفع نسبة تملك المواطنين لمسكن، كجانب أساسي من متطلبات الحياة، وليدفعهم نحو مزيد من العطاء والمشاركة بفاعلية فيما يتحملونه من مسؤوليات وما يتكلفون به من التزامات.

تتنوع برامج الدعم السكني التي تتم تحت إشراف وإدارة ومسؤولية وزارة الإسكان، ما بين:

«وحدات جاهزة» يتم شراؤها كوحدات سكنية جاهزة، ومتاحة في السوق العقارية الحرة في المناطق.

«بناء ذاتي» وهو برنامج تمويل بناء ذاتي، لمن لديه أرض ويرغب في بنائها من خلال تمويل عقاري.

«وحدات جاهزة مقدمة من وزارة الإسكان»، من خلال برنامج قامت الوزارة بتطويره وتنفيذ أعمال البناء المباشر له.

«البيع على الخارطة»، من خلال تمويل شراء عقار تحت الإنشاء «على الخارطة» سواء أكان فيلا أو شقة أو تاون هاوس، عبر إحدى مشاريع وزارة الإسكان، والمقدمة من مقاولين معتمدين ومن خلال إحدى الجهات التمويلية.

تشير البيانات الإحصائية الخاصة بالإسكان، إلى أن عدد المستفيدين من عقود الدعم السكني خلال العام 2019، بلغ 79.641 مستفيدا على مستوى جميع المناطق، وإن المساكن المملوكة والمشغولة بأسر سعودية قد نمت بمعدل %2 ما بين العام 2018، والعام 2019، فبعد أن كانت المساكن تمثل %60.49 يسكنها 67.6 من إجمالي أفراد الأسر، أصبحت %62.08 يقطنها %66.1 من أفراد الأسر.

وبملاحظة البيانات الخاصة بعقود التملك للوحدات السكنية المقدمة من برامج وزارة الإسكان، نجد أن نسبة عقود المتملكين لوحدات سكنية جاهزة من السوق الحرة، قد استحوذت على نحو ثلاثة أرباع جملة الممتلكين بنسبة %72.40 من جملة المستفيدين من دعم الحلول السكنية، وإن %21.73 كانت نسبة عقود البناء الذاتي، بينما تنخفض النسبة إلى %4.13 لعقود التملك عبر الوحدات الجاهزة المقدمة من قبل وزارة الإسكان، ونسبة %1.74 لعقود البيع على الخارطة!!.

تفاصيل البيانات الإحصائية لعقود التملك للمواطنين وتوزيعها النسبي بين مختلف مكونات برنامج الدعم السكني المقدم من الوزارة، يستدعي وقفةً وانتباهاً من مسؤولي الوزارة واهتماماً خاصاً بطبيعة توزيعه، لمراجعة سياساتها وبرامجها المطروحة كحلول للدعم السكني، والخاصة بـ«الوحدات الجاهزة المقدمة من قبل الوزارة»، أو تلك المقدمة عبر «البيع على الخريطة»، من قبل المطورين العقاريين المعتمدين من الوزارة، والسبب انخفاض نسبة الراغبين فيها بشكل كبير، في حين ترتفع نسبة شراء الوحدات الجاهزة من السوق الحرة، ثم «البناء الذاتي»!!.

من المعروف أن واقع السوق وطبيعة العرض والطلب ومستواه، هو المعيار في قياس مدى نجاح السلعة المقدمة أو البرنامج المطروح، وعليه يمكن تعزيز البرامج التي استحوذت على نسب مرتفعة من الإقبال عليها، ودعمها بمختلف ممكنات الدعم الإضافي، والحد من البرامج التي تشهد انكماشا كبيرا في الطلب عليها، بما لا يخدم تحقيق الهدف منها، بل وبما يدعو إلى التراجع عنها ومراجعة أسباب الجمود فيها، بدلاً من الهدر المادي والجهود المبذولة من غير جدوى.

لتنفيذ برامج إسكان ناجحة مدعومة من الوزارة، سواء بتوفير وحدات سكنية جاهزة أو البيع على الخارطة، فإن ذلك يتطلب تطوير محتوى ذلك البرنامج، ليكون جاذباً وليلبي الأذواق كافة والمتطلبات المعيشية، سواء من حيث ضمان متابعة الوزارة لمستوى المنتج وجودته وقيمته المنافسة في السوق، أو مدى توفر متطلبات المسكن الحضاري والبيئة السكنية التي يتطلع المواطنون إلى وجودها، وبما يخدم متطلبات التنمية المستدامة في المحتوى وفي المساواة الاجتماعية -بعيداً عن الطبقية والتمييز-، وبما يسهم في تحقيق ما تستهدفه رؤية 2030 من جودة الحياة ورخاء المواطن ورفاهه واستقراره الاجتماعي.

بمتابعة برامج الإسكان المطروحة للوحدات الجاهزة في السوق، تجد أنها تجارية جافة، لأن المواطن عندما يَقدِم على التملك بإمكاناته المحدودة وخلال الدعم المطروح، يستهدف شراء بيت العمر له ولأسرته ليكون مسكنه حاضراً ومستقبلاً، ولذلك يتطلع لنموذج سكني يلبي متطلباته وتطلعات أسرته بمستوى مرضٍ يتلاءم مع حاجاتهم.

تحتاج المشروعات السكنية المطروحة والمنفذة ضمن برنامج الدعم السكني من الوزارة أو المطورين العقاريين، إلى الارتقاء بتصاميمها التفصيلية للمسكن، وللبيئة المحيطة به، سواء من حيث توفير التهوية الصحية والإضاءة الطبيعية والمساحات الخضراء داخل المبنى أو في البيئة الخارجية له، فهناك حاجة لوجود أحياء فاصلة بين المباني وحدائق عامة تخدم المشروع وملاعب للكبار والأطفال، ومراكز للأندية الصحية وأخرى للمناسبات ومسجد ومراكز تموين، وغير ذلك من متطلبات حياتنا اليومية وتطلعاتنا نحو تنمية تواكب تطلعاتنا ورؤيتنا الطموحة.

تحقيق التنمية المستدامة وتطوير برامج الإسكان كمشروع تنموي يبلور مستهدفات رؤية 2030، يتطلبان تعاوناً وشراكة مجتمعية ومؤسسية من جميع القطاعات، لإحداث التغيير المستهدف والتحول التنموي، إذ تتمحور مسؤولية القطاعات الحكومية في وضع التشريعات والأنظمة الضابطة لتحديات السوق والملبية لحاجات المجتمع ومتطلباته، ويسهم القطاع الخاص بدعمه للمواطن، في تجسير الهوة الطبقية بين فئات المجتمع، بما يقدمه من دعم وتيسير لممكنات التنمية، والتي بها يمكننا تحقيق نقلة نوعية في منجزاتنا الوطنية وفي مسيرتنا نحو رؤية 2030.

إن مشاركة القطاع الخاص في التنمية تُعد من متطلبات المسؤولية الاجتماعية، ومن شرف المواطنة وواجباتها، وإن تخفيض النسبة الربحية للبنوك تكون رمزية، وتقليل نسبة ما يستقطع من راتب المقترض للسكن شهرياً وبآجال طويلة الأمد، لُيعد من الأساسيات الأولية، لرفع نسبة تملك المواطنين لسكنهم الخاص، بما يسهم في تنمية اجتماعية شاملة، ويحفز نحو مزيد من العطاء والانتماء.