نهلة الشريف

لا يخفى على أحد منا، زار مكتبة في السنوات العشر الأخيرة، حجم الاهتمام البالغ بكتب التنمية وتطوير الذات. يتصدر هذا النوع من الكتب الأرفف الأمامية والقريبة من متناول اليد تحت علامات وعبارات جذابة ولافتة من قبيل «أفضل الكتب مبيعا - الطبعة الـ11 داخل نجمة ذهبية كبيرة في حافة الكتاب»، أو حتى أغلفة غريبة التصاميم، من شأنها أن توقف العابر بجانبها، لحملها وتفحصها، وشرائها أيضا.

لا يتوقف الأمر عند كتب التنمية وحسب، بل تعداها لظهور عدد لا نهائي من مدربي التنمية الذاتية، الذين ينادون بأصوات مختلفة وعبارات «ثقيلة العيار»، تلامس الغرقى من أجل النهوض ولو على الحطام!.

أغلبنا يعرف أن كل ما طاله الإنسان بالاكتشاف تعرض لسوء الاستخدام كمحصلة طبيعية ومتوقعة للتداول، وإضفاء شيء من الطابع الشخصي عليه، وتحويله مادة للتكسب. ومع اتساع دائرة المعرفة، وغوص الإنسان في النفس البشرية، من خلال تأثيرات المواقف الحياتية عليه وتأثيره في مواقف الآخرين، ظهرت تقنيات التنمية الذاتية وتطوير الذات مثل علم خجول، سرعان ما أصبح سوقا «سوداء» لتجارة رابحة، وطاله ما طال الأمور المتداولة منذ الأزل.

نحن اليوم أمام عالم مفتوح، نتعرض فيه للإحباطات والهزائم، وهذا شيء طبيعي لا غبار عليه، وكان لزاما أن يصبح دور التنمية فعالا في تقويض المشاعر السلبية الناتجة عن الهرولة البشرية تجاه المستقبل، ولكن الواقع مختلف، إذ أن هنالك من يصطاد في الوحل بعينين جشعتين وعقل ثاقب، هناك من يجني ثروة من «لضم» بعض الأحاديث المنمقة والأكاذيب وإلقائها على أكبر عدد من المهشمين، مستخدمين كل وسيلة ومنصة ممكنة. ليس ذلك وحسب، بل ومن خلال تسليط الضوء على الجانب المكسور من المرآة، بغية الحصول على المزيد والمزيد من الأفواج التي لا تستطيع إصلاح أنفسها، ولا تستطيع غض الطرف عن الشطب في المرآة.

عوضا عما يفعله حثهم للآخرين على التحديق طويلا، والتركيز في المساوئ - من باب محاولات التغيير الواهية - الأمر الذي يتيح للفرد النظر في عيوبه مثل كارثة لا بد من تخطيها، وإلا فلن يحصل على حياة جيدة!.

في حين أن مختصي علم النفس من جانب آخر يقفون موقف الذاهل من رواج أفكار غريبة وعبارات، لحث العقل الباطن - مثلا - على العمل وفق وجهة معينة، والتعامل معه مثل مصباح علاء الدين.

الأكثر كارثية من كل ذلك أن أغلب هذه الفئة - أعني مدربي التنمية - يخلطون بين دورهم الأساسي ودور «المختص النفسي»، وهذا ما قد يتسبب في إصابات نفسية عميقة لزمرة المرضى الحقيقيين الذين لا يدركون مرضهم، وقد يصبح الخلاص من ورطتهم النفسية أمرا في غاية التعقيد.

يسوؤنا أن نرى مفردات «الأمل» و«التفاؤل» و«الإيجابية» أصبحت كرة لهذا الفريق الضخم، يلقونها بكل اتجاه، بينما يحقق هؤلاء أرباحا طائلة مع كل تسديدة، صانعين للآخرين فخا من الوهم والفشل، لا يُدرك دون تفحص ومراقبة وموضوعية.

عمل التنمية الذاتية اليوم - للأسف - غدى لا يختلف عن عمل المشعوذ النظيف، صاحب السمعة اللماعة، بعضا من الأبخرة الجيدة، والبروبجاندا التسويقية، وبعضا من الدورات التدريبية أو الكتب التي تُقال فيها عبارات قاسية - أحيانا - تكفي لإحياء محفظته المالية لسنوات طويلة. بينما كان المشوار في الحقيقة ليس لجذب النور إلى حياة الآخرين، ولا للنهوض بهم، ولا للسير نحو القمة، بل إلى المنحدر، وعلى جثث كانت بالأصل لأناس خافوا، فأفرطوا في الأمل، وأفرطوا في الثقة.