نهلة الشريف

مع رواج استخدام منصات التواصل التي سمحت للجميع بمتابعة مشاهير العالم عن كثب، الوقوف إزاء يومياتهم والاطلاع على شؤونهم الخاصة، ومع رواج فلاتر التصوير - أيضًا - في بعض تلك البرامج، اعتاد الناس على رؤية أنفسهم في إطار جمالي معين، تبلورت على إثره مقاييس جمال جديدة ومختلفة، طفت على السطح بشكل لافت للنظر في الآونة الأخيرة.

فبعد أن كان الجمال في العيون الواسعة أصبحت الـ eye cat بسحبة العين إلى الخلف من زاويتها الخارجة، أمرا أكثر جاذبية. وبعد أن كان الأنف الحاد مثل السيف، مجال نزال بين القصائد، أصبح الأنف المتماثل الجهتين، منساب الأرنبة بنعومة والذي لا زوائد عظمية فيه، هو القالب المثالي للأنوف. أما معايير الجسد التقليدية، فأذكر فيها إحدى القصص التي توارثتها العرب، «أنّ عبد الملك بن مروان استشار يومًا أعرابيًّا ذكيًّا وحاذقًا في وصف النساء، فقال له الأعرابي: «خذها يا أمير المؤمنين ملساء القدمين، ودَرْمَاء الكعبين، ومملوءة الساقين، وجمّاء الركبتين، ولفّاء الفخذين، وناعمة الأليتين، ومهضومة الخصرين، وملساء المتنين، ومشرفة، وناعمة، وفعمة العضدين، وفخمة الذراعين، ورخصة الكفين، وناهدة الثديين، وحمراء الخدين، وكحلاء العينين، وزجّاء الحاجبين، ولمياء الشفتين، وبلجاء الجبين، وشمّاء العِرنين، وشنباء الثغر، وحالكة الشعر، وغيداء العنق، وعيناء العينين، ومُكسّرة البطن».

في ظل المتغيرات السريعة، بدا أن لتدخل مبضع الجراح حاجة ملحة عند البعض للوصول إلى صورة قريبة لتمثال الجمال الحالي الذي تظهر عليه النجمات عبر الإنترنت، والمخالف لمقاييس الجمال النمطية، ما فتح الباب على مصراعيه في عيادات التجميل، وأنعش سوق العمليات التجميلية، بعد أن كانت ولعقود لا تتجاوز حاجز الترميم.

تبدأ اليوم عمليات التجميل من شك إبرة الفيلر، إلى استخدام جهاز الفيزر والأجهزة المشابهه للتحكم في نقل الدهون وتوزيعها، بما يناسب الوزن والطول والهيكل العام للمريض ورغبته، طبعًا دون إهمال.

ذلك النوع من الإجراءات التجميلية التي تتطلب - دون شك - البحث عن محترف لديه حسًّا عاليًا بالجمال، يستطيع العبور بالمريض من ثقته المهتزة إلى الرضا، ومن الصحة إلى الصحة مرة أخرى خصوصًا وأن بعض الأخطار المترتبة على أي إجراء جراحي من شأنها قلب الموازين من أقصى البحث عن الجمال إلى أقصى البحث عن الصحة.

وهذا ما يعني ليل طويل من التقصي عن طبيب مناسب، وأعني بالمناسب، صاحب الكفاءة والخبرة والتجربة الحية التي تثبت مهارته وحرصه على مرضاه لا على مدخوله المادي فقط !.

طالعتنا أسعار مهولة لبعض الجراحين الذين استخدموا ذيوع صيتهم وجدارتهم، لرفع رؤوسهم واستغلال رغبات المرضى لصالحهم، بذريعة الجودة و( الفهلوة)، في حين أن الإجراءات التجميلية نفسها، في بلدان مجاورة تُكلفتها أقل بكثير مما يقدمه ابن الوطن..!.

ولهذا السبب نفسه، يلجأ المرضى إلى الطبيب الخطأ أحيانًا - في الخارج - بكلفة أقل ونسبة مجازفه عالية، مقابل الحصول على الخدمة ذاتها،بمعايير جودة أقل أحيانًا.. ومن هنا قد تحدث الكارثة التي تُلقى في نهاية المطاف على كاهل الحكومة من أجل الجراحات التصحيحية وإصلاح ما أفسده الأطباء الآخرون.

هذا يدفعنا للتفكير وطرح المزيد من الأسئلة، حول إمكانية تدخل وزارة الصحة في هذه السوق المظلمة الذي باتت تتضخم بوتيرة متسارعة، ووضع أسعار ثابتة لكل إجراء تجميلي من شأنه أن يكفل ويحفظ للمرضى حقوقهم، ويحول دون جشع بعض الأطباء، ومبالغة بعض مراكز التجميل!

بالمناسبة، هل سبق وفكرت في إجراء تجميلي - أيا كانت الدواعي - دون التركيز على ميزانيتك؟!