سامي حمد

بنهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 وحصولها على الاستقلال، وجدت أوكرانيا نفسها ثالث أكبر قوة نووية على وجه الأرض بعد الولايات المتحدة وروسيا، وبحوزتها أكثر من 4000 سلاح نووي، بعضها محملة في صواريخ باليستية عابرة للقارات، والأخرى صواريخ نووية تكتيكية.

وتحت الضغوط الأمريكية والغربية على أوكرانيا للتخلي عن هذه الترسانة النووية، استجاب القادة الأوكرانيون لتلك الضغوط.

وفي عام 1994 انضمت أوكرانيا إلى معاهدة الحد من الانتشار النووي كدولة غير نووية، وتعهدت بالتخلص من الأسلحة النووية التي على أراضيها خلال سنتين، في مقابل ألا تستخدم أي دولة القوة أو التهديد ضد أوكرانيا وأن يحترم الجميع سيادتها، في معاهدة سميت بمعاهدة بودابست، وقعتها مع روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة.

أثناء تلك الفترة نشر جون ميرشايمر -أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو وصاحب كتاب أمريكا المختطفة- ورقة علمية في مجلة الشؤون الخارجية «Foreign Affairs»، تنبأ فيها بأن أوكرانيا ستتعرض -لا محالة- لهجوم روسي في المستقبل، في حال تخليها عن الترسانة النووية، وكان من أشد المعارضين لتجريد أوكرانيا من السلاح النووي، ويرى أنه خطأ استراتيجي فادح.

وبعد عشرين سنة، في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا عام 2014، حمل ميرشايمر الغرب مسؤولية الأزمة الأوكرانية، معتبرها «غلطة الغرب».

هذا يقودنا مرة أخرى إلى الخلاف القائم حول امتلاك الأسلحة النووية: هل ستقود إلى استقرار أم دمار؟ وقد نظر لها منظرو العلاقات الدولية أبرزهم كينيث والتز، من جامعة كاليفورنيا بيركلي، الذي يرى أن الأسلحة النووية مصدر استقرار، وسكوت ساجان، من جامعة ستانفورد، الذي يؤمن بوجوب التخلص منها.

وعبر عنها على المستوى السياسي قادة دول، أمثال مارجريت تاتشر، التي قالت «دون الأسلحة النووية، سيكون العالم أقل استقرارا وأشد خطورة علينا جميعا»، وفي المقابل كان جون كينيدي يرى أنه «يجب أن نقضي على الأسلحة النووية أو هي من ستقضي علينا».

هل تعض أوكرانيا اليوم أصابع الندم على فعلتها؟ هاهو وزير الدفاع الأوكراني السابق يصرح «لقد تخلينا عن قدراتنا النووية مقابل لا شيء»، ولكن لو احتفظ الأوكرانيون بالسلاح النووي، ماهي ردة فعل روسيا حينئذ، هل ستسمح لهم؟ أم ستهاجمهم بشراسة؟ خصوصا أن أوكرانيا كانت تفتقر للقدرات الفنية اللازمة لتشغيل تلك الأسلحة.

ما حصل لأوكرانيا يبعث برسائل للدول غير النووية عن جدوى بقائها دون قوة ردع نووية، وجدوى التزامها بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، فالمعاهدة تركز على منع حصول تلك الدول على السلاح، ولكن تهمل تطبيق الجزء المتعلق بالدول النووية في نزع السلاح النووي، باستثناء بعض الاتفاقيات الثنائية بين روسيا وأمريكا في تقليص -وليس التخلص- من بعض القوة النووية.

كوريا الشمالية فهمت الرسالة مسبقا، ففي لقاء جمع مسؤولين أمريكيين بنظرائهم من كوريا الشمالية إبان الحرب الأمريكية على العراق 2003 حينها قال الكوريون: «لقد شاهدنا ما فعلتموه في العراق.. والدرس الذي تعلمناه من ذلك هو أن العراق ليس لديه أسلحة دمار شامل فغزوتموه، لذلك، سنعمل على معالجة الوقود النووي المستهلك، ونصنع منه قوة ردع نووية حتى لا تتمكنوا من غزونا».