محمد علوان

هناك في الجنوب القصي وهنا في أقصى الذاكرة كان الغناء يجد له مساحة شاسعة من نفوسنا، كان الغناء يتجول بين تلك الأودية وعلى قمم الجبال التي تلتفع بأشجار العرعر.

أعرفه، كان يفتن النساء والشباب بصوته وهو يرتفع حتى يكاد يصل إلى مدار الطير وينخفض ينخفض حتى يلامس شغاف الفؤاد. كان يغني للحب وللإنسان للعمال وهم يشيدون البناء للعصافير وهي تغادر أوكارها بحثًا عن الرزق، وفجأة غاب صوته، وكان الغناء همسًا وعلى استحياء، أذكر هناك في القرية. عندما تعيد المرأة طلاء البيت كيف تشدو بين لحظة وأخرى بالغناء الجميل.

وما زال صوت الفلاح على بئر الماء يتناغم بشكل رائع مع صوت تدفق الماء، ما زال منقوشا في الذاكرة، وهنا وهناك على سواحل البحار في الشرق أو في الغرب في هذه الصحراء الممتدة حد الدهشة يرفع الإنسان صوته خلف ناقته، وكأنه بذلك يشعر نفسه بقدرته على البقاء ويُشعر نفسه بتفاعل الداخل فيه مع الخارج الذي يعيشه وينعكس عليه سلبًا وإيجابًا.

كان الغناء والرقص المبهج في حفلات الزفاف في المناسبات التي تخلقها الظروف، نجدها فرصة للفرح للبوح، كنا نهمهم ببيت شعر شعبي بأغنية شعبية.

ما الذي حدث لنا؟ ما الذي حدث بيننا؟ لماذا يغادرنا الغناء الجميل؟ إلى ذلك الحزن الشفيف الذي تراه فيمن حولك ويراه الآخرون فيك ولا نملك سويا غير هذا الضباب الجميل!!

1989*

* أديب وصحافي سعودي «1950- 2023»