فايع آل مشيـرة عسيري

المتابع الحصيف للمشهد السياسي يدرك تماماً أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية تتصدران المشهد العالمي، كونهما من القوى العظمى والمؤثرة في خارطة العالم على كافة الأصعدة، بما فيها السياسي والاقتصادي، وليس ما شهدته الولايات المتحدة بالأمس من زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - إلا دلالة واضحة جليّة ورسالة صريحة لكل العالم بأن المملكة العربية السعودية سفيرة السلام الأولى ورائدة الأمن والاستقرار دائماً وأبداً، إذ لم تكن تلك الزيارة زيارة بروتوكولية كعادة الكثير من الزيارات السياسية بل كانت حدثاً استثنائياً واستقبالاً فريداً من نوعه، يحمل في طياته الكثير من الاحترام والتقدير للقيادة السعودية، فقد كان استقبالاً سامياً عظيماً في رسائله عميقاً في تفاصيله الدقيقة منها والكبيرة.

هذه الزيارة التاريخية والمفصلية في العلاقات الثنائية بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية هي امتداد عميق ووثيق عبر عقود طويلة من الأزمنة، حيث كانت أول زيارة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - إلى الولايات المتحدة في مارس للعام 2017، والتي التقى من خلالها فخامة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب؛ لتبدأ معها مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، وكانت نقطة تحول مهمة في هذه العلاقة السعودية الأمريكية وعُقِدت بعدها القمة السعودية الأمريكية بالرياض في مايو للعام نفسه 2017؛ لتكون انطلاقة جديدة نحو العلاقات السعودية الأمريكية؛ إذ أطلقت من خلالها «الرؤية الإستراتيجية المشتركة» للرياض وواشنطن؛ لتشهد تلك العلاقات الوثيقة لقاءً آخر في مارس للعام 2018م في البيت الأبيض بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس دونالد ترامب، لتأتي زيارة دونالد ترامب للسعودية وفي مدينة جدة في يوليو من العام 2022؛ لتكون هذه الزيارة تحديداً نقطة جوهرية في المباحثات والنقاشات الدائمة حول المستجدات والتحولات المتسارعة في ملفات الأمن الإقليمي، وتوسيع دائرة المصالح المشتركة في كثير من المجالات وتعزيز الشراكة الدفاعية والتقنية، وتطوير آليات التنسيق السياسي وغيرها من لقاءات مشتركة مكثّفة، هذا بالإضافة إلى أن المملكة كانت هي البوصلة الأولى للرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في ولايتيه الأولى والثانية؛ حيث زار العاصمة السعودية الرياض في 20 مايو للعام 2017م وفي 13 مايو للعام 2025م؛ لتكون هاتان الزيارتان تعزيزاً قوياً وتوثيقاً للعلاقة السعودية الأمريكية، وجاءت الزيارة الاستثنائية في ظل تحديات كبيرة وبالغة التعقيد؛ حيث تتجاوز الأمنيات والآمال فيها حدود المملكة العربية السعودية، وعلاقتها التاريخية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لتشمل القضايا العربية والإقليمية، وهذا ما يرسّخ لمكانة القيادية السياسية السعودية عالمياً، ويؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك العمق الإستراتيجي الحيوي للمملكة العربية السعودية وسعيها الدائم في حلّ جميع القضايا المتصلة بالشرق الأوسط والقضايا العربية والإسلامية ومنها:

الصراع الدامي الذي يدور على المسرح السوداني، وما أفرزه من تداعيات إنسانية مأساوية، ودخول المملكة العربية السعودية في المنظومة «الرباعية» مع الحليف الإستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية، لوضع حدّ للنزاع السوداني السوداني وحقن الدماء السودانية البريئة .

ومن الملفات الهامة ملف القضية الفلسطينية في قطاع غزّة تحديداً والجرائم الصهيونية هناك ضد الشعب الفلسطيني، من قتل وسفك وتجويع وتهجير، والوصول لحلّ الدولتين وتوطيد الأمن والاستقرار والسلام المتبادل، مع كامل الصلاحيات الكاملة للشعب الفلسطيني للعيش دون سلطة وقيود الاحتلال.

ومن الملفات الجوهرية الهامة كذلك ملف بناء سوريا وإعادة إعمارها بدءاً ببنية تحتية قوية وترسية قواعد بناء الدولة القوية سياسةً ومدنيّةً، تسمو نحو التنمية الشاملة وعودة الشام للحضن العربي، والعودة بها لسابق عهدها حضارة وتجارةً وثقافة وتاريخاً وإرثاً أصيلاً.

إلى جانب هذه الملفات الحاسمة وغيرها ظلت العلاقات السعودية الأمريكية تأخذ صوراً ومناحي متجددة ومتعددة ومتنوّعة، وما زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للبيت الأبيض إلا لمكانة المملكة العربية ودورها المؤثّر والرئيس في صنع القرار العالمي، فالعلاقة مع واشنطن لم تعد محمولة على إرث تقليدي فقط بل على رؤية حديثة تعيد تشكيل الشراكات، وتطوّر أدوات القوة الناعمة، وتبني اقتصاداً يرتكز على المعرفة، وتمنح المنطقة تعريفاً جديداً في خريطة العالم؛ لتأتي ملفات الاستثمار والطاقة المتجددة والصناعات العسكرية والذكاء الاصطناعي في سياق الشراكة الواحدة متماهية مع المرحلة الحالية، فالعالم اليوم ينظر للمملكة العربية السعودية بوصفها دولة محورية تقود تحولات داخلية ذات نطاقات واسعة، وتفتح نوافذ للابتكارات الجديدة، وتمّد جسوراً للاستثمارات المستقبلية وبناء وطن عظيم يفوق بكثير حلم التوقعات.

القيادة السعودية الحكيمة ذات البعد السياسي صاحبة دور قيادي ومؤثّر في المشهد العالمي، وهذا بالتأكيد سينسحب على الكثير من الإسهامات الكبيرة في صنع القرار الدولي، بحكم وجودها ضمن مجموعة دول العشرين (G20)، وهذا ما يؤكّد مكانة المملكة السياسية وثقلها على المستويين الإقليمي والدولي، ودورها المحوري في تعزيز السلام والأمن والأمان في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأكمله.