مهما امتلكت الدول من ثروات، وأنشأت من مشروعات، يبقى الإنسان أهم ثرواتها، وأكبر مشروعاتها، ورأس المال الحقيقي في أي بلد، وما نهضت الأوطان وتقدمَت إلا بفكر وسواعد الشباب من أبنائها وبناتها، وبالنظر إلى الدول الناهضة اليوم، نلحظ اهتمامها الكبير بفئة الشباب فيها، والحرص على أن ينالوا أفضل أنواع التعليم والتدريب والتأهيل، ليشكلوا قوة داعمة، ورافعة قوية في سوق العمل وميدان البناء لأوطانهم، فنراهم يشاركون مشاركة فاعلة وحقيقية داخل المؤسسات الحكومية والأهلية، بما يمتلكونه من أفكار خلاقة وهمّة عالية وروح وثابة، وبذلك تدور عجلة العمل والإنتاج والإبداع، ولا يعرف الكسل والخمول والفشل طريقه إلى موقع يتواجد فيه هؤلاء النخبة من الشباب الطامحين.

في عام 2011 تم إنشاء مؤسسة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الخيرية، وتُعرف اختصارا باسم: مسك الخيرية، وهي مؤسسة غير ربحية تركز أهدافها على رعاية وتشجيع ودعم التعلم والمعرفة وتنمية مهارات القيادة لدى الشباب في المملكة، مما يحقق لهم مستقبلا زاهيا، إن شاء الله، وقد نفذت المؤسسة منذ إنشائها عددا من المبادرات والفعاليات في مجال الثقافة والفنون، وتشير إحصائية عام 2018 إلى تنفيذ 45 فعالية ومبادرة، شملت 13 مدينة، وتجاوز المشاركون والزوار لفعالياتها 850 ألف شخص، وقامت بتدريب أكثر من 10 آلاف شاب وشابة، واجتذبت أكثر من 900 ألف متطوع، ويشمل اهتمام المؤسسة النواحي التقنية والثقافية والإعلامية والتعليمية لدى الشباب، بالتواصل والتعاون مع المنظمات المحلية والعالمية لإيجاد البيئات المناسبة للإبداع والعطاء وتحقيق أفضل النتائج في المجالات المذكورة.

الأسرة هي اللبنة الأُولى في بناء المجتمع، وعندما تتحد اللبنات القوية، ينشأ مجتمع قوي متماسك، شامخ البنيان، يصدّ عنه رياح الظروف السيئة، ويحمي أبناءه وبناته من انحرافات الأفكار والسلوك، ويتحقق كل ما سبق إن قام أبناء المجتمع بدورهم خير قيام، وأتحدّث تحديدا عن دور الأسرة، وما أسعد الأم الواعية بأبنائها وهي تبذر فيهم بذور الأخلاق وحُب المعرفة والتطلع إلى المستقبل بتفاؤل وأمل، فالأم هي المدرسة الأولى للابن والبنت، ودور الأب مرتبط ومتكامل مع دور الأم في التربية، يرى الأبناء والبنات في أبيهم القدوة والأمان بعد أمان الله تعالى، يأخذون بمشورته، ويستمدون منه الدعم النفسي، ويشتكون إليه ما يسبب لهم الأذى.


من أكثر ما يضرّ الأطفال في تنشئتهم الحماية الزائدة لهم والخوف المبالغ فيه عليهم، لا نستطيع أن نستنكر محبة الوالدين لأولادهم، المحبة الطبيعية التي تقتضي توفير المأكل والمشرب والمسكن الملائم والعلاج في حالة المرض، والفرح معهم إذا فرحوا، والحزن لحزنهم، لكن بعض الآباء والأمهات يستمرون في معاملة أبنائهم وبناتهم كالأطفال، حتى بعد أن يصلوا إلى المرحلة الثانوية أو الجامعية، وهذا الفعل يفسد أخلاقهم من خلال الدلال والحرص الزائد، ولا يمنحهم تكوين تجاربهم الشخصية كشباب مسؤولين عما يفعلون، أما النوع الواعي من الوالدين فيبدؤون مع أولادهم منذ صغرهم، ويمنحونهم الفرصة للاختيار والخطأ والصواب، ليتشكل لديهم الوعي المبكر، وتبدأ الشخصية لديهم في النمو الطبيعي والاستقلال.

من اهتمامات الإنسان وأفكاره يمكن أن تعرف شخصيته، واليوم تتنوع اهتمامات الشباب وأفكارهم تبعا لهذا العصر السريع في إيقاعه، وإذا كان العمر واحدا، لا يتكرر، ولا يعود ما مضى منه، بات لزاما على الشباب أن يركّزوا على ما يعود عليهم بالفائدة، ويهبهم القوة الفكرية والجسدية، والناجح بينهم من يضع خطة محددة البنود، تشمل مراحل زمنية متعددة في حياته، فينظر ماذا يريد أن يحقق وهو في مراحل التعليم العام، ثم يمدّ نظره إلى المرحلة الجامعية وما يتمنى الظفر به أثناءها، وهي بوابته إلى الحياة العملية والاستقرار الاجتماعي تاليا، كل الأمنيات الصادقة والدعوات الخالصة أن يوفق الله الشباب، ويحقق أمنياتهم، ويكفيهم جميع الشرور.

يا رفيق الحرف، قد تقول لنفسك: وما شأني أنا بهذه السطور، وقد تعديتُ ما تسمى بفترة الشباب؟ وفي واقع الأمر ما الشباب إلا وصْف لسنوات من العمر يتفق أو يختلف الناس على عددها، وليس المعنى هنا أن بقية السنين بعد عمر الشباب لا قيمة لها، أو لا يمكن أن يفعل فيها المرء أفعالا لها فائدة، فالحقيقة أن الحياة بكاملها مزرعة مهيأة للعمل والإنتاج بحسب الاستطاعة والفرصة، أما حين يضع أحدنا يده على خده، ويوهم نفسه أنه لا يستطيع تعويض ما ذهب من أعوام وفرص، فقد كتب لحياته النهاية وهو حيّ، والرابح من نهض بعد السقوط، واستمر في غرس الفسائل أملا في غد مثمر، إن شاء الله.