منذ اختراع التصوير والمصوِرُ يطلب من المُصوَّر ابتسامة قبل إتمام اللقطة الأخيرة، بغض النظر عن حالته النفسية والمزاجية، سواء لحظتها أو في جميع اللحظات التي سبقتها. وهكذا نحن لا نرى دائما إلا اللقطة الأخيرة في كثير من مشاهد الحياة.

صورة صديقتك التي تقضي إجازتها مع زوجها صاحب الدخل المحدود في أحد أرقى الأماكن السياحية في العالم، هي اللقطة الأخيرة. والساعة الغالية التي تزيّن معصم صديقك هي اللقطة الأخيرة في مجموعة من المشاهد المتضاربة التي دارت بينه وبين زوجته الموظفة. ومنظر الشقيقين اللذين يسيران في الشارع وقد اشتبكت كفيهما في مشهد حميمي جميل، هي اللقطة الأخيرة. بل إن منظر تلك العروس التي تجرّ فستانها الأبيض في زهو ونشوة أمام جموع الحاضرين، وقد علت وجهها ابتسامة مشرقة، هي اللقطة الأخيرة.

تقول: في ذلك الصباح نشبت بيني وبين زوجي معركة كبيرة في السيارة خلال توجهي إلى عملي، وكان قد سبق هذه المعركة شهر كامل من الصمت القاتل، والهجر الكامل الذي استنفد صبري وطاقتي، ووجدت نفسي قبل خمس دقائق من الوصول إلى مقر عملي في حالة انهيار كامل، ودخلت في نوبة بكاء متواصلة، مما اضطره إلى التوقف، إذ لا يمكنني النزول بهذه الحالة. لم يعتذر ولم ينبس ببنت شفة. ولكنه توجّه إلى كشك صغير وطلب كوبا من القهوة وقارورة ماء. حاولت خلالها لملمة نفسي والسيطرة على دموعي وتعديل مكياجي.

عندما دخلت مكتبي وكوب القهوة في يدي، حاصرتني صيحات الإعجاب من الزميلات بهذا الزوج الرقيق، الذي تغلّب على زحمة المدينة وضيق الوقت ليحضر كوباً من القهوة، من أجل صباح أجمل لزوجته، وراحت كل واحدة تشرح بنوع من الطرافة حالة زوجها البائسة كل صباح، والتي لا تسمح لها بإلقاء تحية الصباح عليه، فضلا على أن تحلم بكوب قهوة من الطريق.

في قرارة نفسي، كنت موقنة تماما أنني أعيش معاناة عميقة لم تعشها إحداهن، حتى المصادمات التي تحدث يوميا بينهن وبين أزواجهن أنا محرومة منها، بسبب رحلة الإهمال الطويلة التي ينتهجها زوجي لأتفه الأسباب.

تمنيت أن أقول لهن: عيشوا جميع المشاهد التي أكتوي بها كل يوم، وبعدها خذوا مني اللقطة الأخيرة التي تحسدنني عليها!.