هل تختلف التحديات الإدارية التي تواجه الوزير عن تلك التي يقابلها الموظف العام عادة، كبيرا كان أم صغيرا؟ يقتضي الإنصاف أن تقرر أن كثيرا من هذه التحديات واحدة في طبيعتها، وأحيانا في حجمها وإن اختلفت مسميات شاغلي الوظائف، إلا أن النظرة الموضوعية تكشف أن الوزير يواجه مشاكل إدارية معينة لا تواجه غيره من الإداريين، أو على الأقل لا تواجه غيره بالحدة نفسها، والإلحاح نفسه ويرجع السبب في تصوري إلى أمور ثلاثة:

أولها: وأوضحها، أن الوزير هو قمة السلطة الإدارية في وزارته وفي المؤسسات المرتبطة بها، فهو إذن لا يستطيع كما يستطيع غيره أن يقذف بالقرار إلى أعلى، ولا يتمكن كما يتمكن غيره أن يمتنع عن اتخاذ أي قرار على الإطلاق.

ثانيها: أن التوقعات التي تحيط بالوزارة لا تحيط بأية وظيفة إدارية أخرى. الناس يعتقدون أن سلطة الوزير تمتد فتصبح قادرة على تحقيق ما يشاؤه الوزير أو يشاؤه مراجعوه، والناس يتصورون أن المشاكل التي تستعصي على الموظف العادي لا بد وأن تذلل على يد الوزير، والناس يظنون أن الروتين الذي يقيد صغار الموظفين لا يستطيع أن يمس الوزير، وهذه التوقعات في مجموعها تشكل عبئا كبيرا لا يحس بكافة جوانبه وأبعاده إلا من شاءت له الظروف أن يجلس على مقعد الوزارة المليء بالأشواك.

ثالثها: أن وقت الوزير تتجاذبه مشاغل عديدة، ليس التحدي الإداري غير واحد منها، هناك مسؤولية التشريع والمساهمة في رسم السياسة العامة للدولة، وهناك مراسم الضيافة الكثيرة من استقبال إلى تكريم إلى توديع سواء بالنسبة لضيوف الدولة أو ضيوف الوزارة، وهناك المهمات العديدة خارج حدود الدولة، بالإضافة إلى اللجان المتنوعة، وهذه المشاغل في مجملها تنافس مسؤوليته الأساسية في وزارته منافسة بالغة الخطورة.

وأود أن أوضح أنني لا أعتقد أن هناك أسسا علمية مستقرة يستطيع الوزير باتباعها أن يكون وزيرا ناجحاً، وأسارع إلى القول بأنني لا أنكر أن الإدارة العامة قد أصبحت علما له قوانينه ونظرياته ومتخصصوه، ولكنني أزعم أن ممارسة الإدارة لا تزال وستبقى فنا، والأمر نفسه يصدق بالنسبة للعلوم السياسية، فهي من الناحية النظرية، علم موضوعي ولكنها، في التطبيق العملي فن شخصي يعتمد على الموهبة والاستعدادات الشخصية أكثر من اعتماده على المعرفة النظرية.

إن قراءة كل كتب الإدارة في العالم في حد ذاتها لا تنتج بالضرورة إداريا ناجحا، وهناك كثير من الإداريين اللامعين الذين لم يقرأوا كتابا واحدا في الإدارة.

ومن هنا.. فإنني أتصور أنه لا يمكن أن توجد مدرسة إدارية لتدريب الوزراء، وإن كان البعض عندنا يعتقد أن المؤسسة العامة للخطوط الحديدية، هي أقرب ما تكون إلى هذه المدرسة، حيث إن الأغلبية الساحقة من مديريها تولوا بعد تركها منصب الوزارة، كما أنني أعتقد أن أي تجربة إدارية مهما طالت وتنوعت لا يمكن أن تؤهل المرء تأهيلا كافيا للوزارة، ذلك أن التحديات الإدارية التي تواجه الوزير تختلف كما رأينا قبل قليل عن التحديات في أية تجربة إدارية أخرى، وأعتقد فوق ذلك أن النجاح في الوزارة لا يرتبط بخط إداري معين يتبعه الوزير، فبالإمكان أن تجد وزيرين يتبعان منهجين مختلفين تماما، وينعقد الإجماع على أنهما وزيران ناجحان رغم اختلاف الأساليب.

* 1979