حَضَرْتُ مؤخرا مع جموع كبيرة من مشايخ وأعيان ووجهاء قبائل الحفل التكريمي لأسرة آل هملان من فرع آل هشام بقبيلة آل رشيد من شهران ، وذلك بمناسبة عفو هذه الأسرة الكريمة عن قاتل ابنها لوجه الله، وطلبهم إخراج الجاني من السجن رغم جريمته. وتداول الكثير في المجلس عبارات العفو وأنه من شيم الأقوياء وخلق الكرماء وديدن العظماء، وإن العفو بدلا عن الغل والحقد وحب الانتقام من صفات المؤمنين بالله ومن شيم العظماء الذين انتمت إليهم بالفعل أسرة آل هملان التي تناست آلامها وجراحها وأحزانها، وعفت وأصلحت عند المقدرة بإرادة قوية وبنفس كريمة ورضية ودون أي مبالغ مالية وبدون أي وساطات أو أي جاهية).

من واقع هذا الصفح المتكرر من أولياء الدم في كثير من مناطق المملكة والذين كان آخرهم الشهم «خويتم الحارثي» نقول إن بلادنا يحق لها أن تفتخر بأن شعبها ذو أصالة وشهامة وحب للخير، ورمز للتسامح والمحبة والإصلاح والوفاء لدينه وقيادته ووطنه. إن هذا الشعب السعودي يسير على توجهات وتوجيهات حكام هذه البلاد الطاهرة -أعزهم الله- السائرين على نهج الشريعة وما ورد في كتاب الله العظيم وسنة نبيه الكريم. إننا نشهد الله -جل في علاه- ونحن من سكان منطقة عسير بأن من أوكلت إليه أمور خدمة ورعاية وتطوير هذه المنطقة، وهو الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز من الداعمين والساعين بقوة إلى إصلاح ذات البين وكل خلاف بين أبناء المنطقة، لتجذير محبتهم لبعضهم البعض ولتمتين وشائج الأخوة والقربى بينهم، لزيادة التلاحم الوطني، ولفتح كل الطرق لإنجاح خطط التطوير والتنمية المنشودة في منطقة عسير. وقد قال شيخ شمل شهران في الحفل بأن أمير المنطقة قد قابل أسرة آل هملان بإمارة منطقة عسير وشكرهم وأثنى على العفو والتسامح والإصلاح.

لقد شهدت بلادنا السعودية في العقدين الماضيين مغالاة في ما يطلبه أهل الدم من الديات، بل إن بعضهم طلب مبلغ (70) مليونا وآخر طلب (50) مليونا، بل إن هناك بعضا من سماسرة السعي إلى الإصلاح الذين يدعون بأنهم يقومون بالإصلاح لوجه الله، كانوا يشترطون الملايين للتوسط في إعتاق الرقاب (وهناك شرفاء هدفهم الخير والسعي لوجه الله). لقد تحولت مساعي أولئك السماسرة إلى مرض اجتماعي وسمسرة، لاستغلال من أظلمت في وجهه الدنيا ويريد إعتاق قريبه المبتلى، والذي لا يصنف ضمن المفسدين من حد القصاص.

إن الخيرين والمصلحين في بلادنا كثيرون، وقد يستحسن ولاة الأمر أن يكون لهم ميزات خاصة احتراما وتقديرا لجهودهم، وأن تشكل من هؤلاء جمعية تسمى «إعتاق الرقاب» بحيث يوضع لها نظام يمنع استفادة القاتلين ذوي السوابق المفسدين في الأرض من هذه الجمعية. وفي الوقت نفسه فإن التقيد بما أقره ولاة الأمر بشأن الديات وفرض العقوبات الصارمة لكل مخالف مطلب وطني ملح، علما بأن الاستغلال في مثل هذه القضايا وصل إلى درجة أن الجنح والجنايات صار يتم فيها الإصلاح بالملايين. كذلك من الضروري تطبيق الحق العام عندما يكون الطرف المعني من المفسدين في الأرض، ويكفي لمن أراد العفو إسقاط حقه الخاص.

كذلك من الأمور التي تؤرق المجتمع، تلك القوانين القبلية التي تجبر وتفرض على من ارتكب جريمة قتل أو جناية أو جنحة، طلب ما يسمى في العرف القبلي (الوجه أو الجيرة) أي طلب الحماية لدى قبيلة أو أسرة أخرى، متناسين ومتجاهلين أن الشعب السعودي يعيش في دولة الحق والعدالة والشريعة، التي تأخذ الحقوق لكل ضعيف أو ضحية. نتمنى أن يصدر أمر يوقف هذه الظاهرة وظواهر الصلح خارج إطار المحاكم الشرعية.

عاشت بلادنا كريمة حرة أبية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.