يؤلمني جدا مشهد المياه المهدرة في شوارعنا والناتجة عن قلة الوعي بالمخاطر التي يواجهها وطننا في الفقر المائي والتهديد الفعلي بكارثة مائية قادمة ما لم يتم تدارك الأمر.

ولكوني مسكونا بهذه القضية، أجد نفسي، في أحايين كثيرة، متتبعا لحالات تسرب المياه الكبيرة، تحديدا حين تصادفني في مشاويري الخاصة، الأمر الذي قد يكلفني كثيرا من التأخير عن أعمالي أو مواعيدي وفوات مصالح كثيرة. أضف لهذا مواجهة انفعالات البعض وعدم رضاهم، وربما تخلل ردود أفعالهم السخرية والتهكم حين أحدثهم عن خطورة هدر المياه أمام منازلهم، رغم أن حديثي يدور في حدود اللباقة.

وفي حالات معينة أجد نفسي مضطرا للاتصال بشركة المياه الوطنية لتسجيل بلاغ تسرب مياه.

إن تسجيل بلاغات التسرب ليس للإضرار بأحد بقدر ما هو واجب وطني رغم إدراكي عدم جدوى كثير من البلاغات لسببين، ضعف الاهتمام بها من قبل الشركة المذكورة، وعدم وجود عقوبات جديرة بردع أولئك المستهترين بالثروة المائية.

أحد تلك المواقف التي تثبت عدم الوعي وعدم المبالاة بالعقوبة قول أحدهم «عادي 200 ريال سندفعها» ردا على اعتراضي على الهدر المائي الهائل الصادر من منزله إلى طرقات الحي. كانت السيارات تسبح وسط ما يشبه النهر، مما تسبب في ازدحام مروري لأنعطف بالسيارة متتبعا المصدر ليقودني إلى شارع فرعي فإذا برجلين واقفين عند باب منزل وأمامهما مضخة تدفع بالماء إلى الخارج. سألتهما عن السبب فأجاب أحدهما هذا ماء خزان أرضي ممتلئ نحتاج لتفريغه بالكامل!

وفي موقع آخر آلمني تدفق المياه بصورة هائلة غطت الشوارع المجاورة، وعند الوصول للمصدر إذا بسيدة وابنتها ومعهما العامل قد فرَغوا من تغسيل منزلهم، وأكملوا تشطيف الشارع أمام المنزل بخراطيم المياه المدفوعة بالماطور. قلت للسيدة: الماء واصل لآخر الحارة، أجابتني: حنا أحرار!.

اتصلت بشركة المياه لتأديب هذه «الحرة» ليجيبني الموظف: للأسف لا نستطيع تسجيل بلاغك بسبب خلل في النظام!.

من خلال تجربتي مع بلاغات شركة المياه الوطنية اتضح لي أنها تواجه مشاكل في التعامل مع البلاغات. أول تلك المشاكل كبر رقعة البلد مع قلة مباشري البلاغات الميدانية، علاوة على ضعف وعي المستهلك، وربما استهتاره بجريمة العبث بالثروة الوطنية العظيمة.

الأمر الآخر أن الشركة ليس لديها تطبيق بلاغات يوفر الوقت بدلا من انتظار المتصل على الهاتف، علاوة على أن التطبيق يسهل وضع «اللوكيشن» وأمورا أخرى تتطلبها مرحلة التقنية وتوجهات الرؤية نحو توسيع الخدمات الإلكترونية.

كثير منا زار بلدانا كثيرة وربما أقام البعض فيها ولم نلاحظ هناك ما يحدث عندنا من عبث بالمياه، رغم أن بعض تلك البلدان غنية بالمصادر المائية المتعددة.

قد يواجهنا أحدهم بحجة أن تلك البلدان مختلفة عن بيئتنا، فلا تعاني من ما نعانيه من أتربة وموجات غبار شديدة يتطلب غسل أفنية المنازل وواجهات المحلات، إلا أن هذه الحجة مردودة بالنظر إلى البلدان المجاورة الشبيهة بوضعنا البيئي، دون أن نشاهد ما يوجد في شوارعنا وأمام منازلنا من مياه نقية جارية أشبه بالسيول المنهمرة.

نحتاج إلى تضافر جهود للتوعية بخطر العبث بالثروة المائية تبدأ من المدارس ومن أوساط المؤسسات الحكومية، والتي قد لا يبالي بعضها بأمر التسربات داخل مبانيها. التوعية أيضا تكون في منابر الجمعة، والتي لم أسمع يوما خطيبا تعرض لهذا الموضوع حتى أثناء الحملات المكثفة التي تقودها شركة المياه بين الفينة والأخرى.

الحلول قد لا تأتي في مقالة ولا مجموعة مقالات، إنما من خلال تضافر جهود حقيقية ودراسات بحثية عميقة، وربما اضطررنا إلى تجريم التطرف في استخدام الماء، سيما وقد وردت نصوص شرعية تنهى عن الإسراف فيه.

من الحلول أيضا مضاعفة الغرامة المالية وتحفيز الموظف الميداني عن طريق تمكينه من الحصول على نسبة مالية من تلك الغرامات التي يقوم بضبطها.