سيكتب التاريخ مجداً تليداً لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لا يقل عن الأمجاد التي سطرها أسلافه الأوائل من حكام الدولة السعودية بأدوارها الثلاثة، كدور الإمام محمد بن سعود وابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد، أو دور الإمام تركي بن عبدالله وابنه الإمام فيصل بن تركي، حيث جاء الملك سلمان إلى الحكم وأحدثَ انعطافة حضارية مهمة في مسيرة التاريخ السعودي الذي بدأ في العام (1726 /1139) مع تولي الإمام محمد بن سعود إمارة الدرعية خلفاً لابن عمه زيد بن مرخان بن وطبان.

كان المراقبون منذ تولي الملك سلمان ولاية العهد لأخيه الراحل الملك عبدالله -طيب الله ثراه- يتوقعون أن يكون عهد الملك سلمان استمرارا للنهج المتحفظ في السياسة والاجتماع والاقتصاد، وأن الدولة ستكرس خطَّها المحافظ وتركزه أكثر، عطفًا على ما عرفوه من التزام رجل الدولة سلمان بن عبدالعزيز، طيلة عمله مع الملوك الخمسة الذين سبقوه، غير أن الذي لا يمكن أن تدركه تلك التقارير والدراسات الخارجية أو أن تفسره بشكله الصحيح هو أن إمكانية المزاوجة بين الالتزام القيمي والانفتاح المنضبط الذي يخدم الوطن والدولة والمواطن لدى رجل تربى في مدرسة المؤسس الملك عبدالعزيز تعد من الأبجديات، كما أن الدراية الفطرية قبل العملية والعلمية بالسياسة هي من خصائص تلك المدرسة الفريدة، ومن هنا لم يكن ليجرؤ على عمل التغيير الذي تم في عهد الملك سلمان إلا من توفرت عنده خبرة هضمت كل إيجابيات العهود السابقة وسلبياتها، لهذا جاء هذا العهد كنسخة منقحة لما يجب أن تكون عليه السعودية وفقا للمعطيات الحضارية الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

يمكن تلمس أوجه هذه الانعطافة التاريخية في العهد السعودي الجديد وفقا للعوامل التالية التي سأذكرها من دون ترتيب:

الأول: على المستوى السياسي في الحكم، وذلك حينما نقل ولاية العهد إلى الجيل الثالث، منهياً بذلك كل التكهنات والأقاويل عن مصير الحكم بعد أبناء المؤسس، ولم يترك الأمر لمن سيأتي بعده بل حسمه بنفسه؛ احتياطاً وإبراءً للذمة وحمايةً لبيضة الحكم وحمايةً للرعايا كما يفعل العظماء.

الثاني: على المستوى الاجتماعي، وذلك حينما تبنى الإسلام المتسامح الذي جمع بين التدين الصادق الحقيقي وبين إشاعة المباح والتوسعة على الناس فيه.

الثالث: على المستوى الاجتماعي كذلك، حينما قفز الملك سلمان بالمرأة السعودية إلى أبعد مدى ممكن للمرأة العربية أن تصله، وعمل على أن تكون قسيم الرجل فعلياً في العمل والعطاء لهذا الوطن في كافة المجالات، كان أولها مشاركة النساء السعوديات لأول مرة في تاريخ الدولة في العملية الانتخابية عن طريق مشاركتهن في انتخابات المجالس البلدية، ثم السماح لهن بقيادة السيارات للمرة الأولى في تاريخ المملكة، ثم بذل لهن حرية التحرك والتصرف، وهذا في مدة وجيزة جدا من عهده الميمون.

الرابع: على مستوى الإدارة المحلية، فقد تجاوز عهده بطء حركة الأجهزة الحكومية المعتاد وبيروقراطيتها المعهودة، وذلك بتبسيط الإجراءات واختصار عدد من المجالس العليا إلى مجلسين اثنين فقط هما: مجلس الشؤون السياسية والأمنية السعودي (CPSA) ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي (CEDA).

الخامس: شهدت إدارة الحكم المحلي في عهد الملك سلمان أكبر إصلاح هيكلي في تاريخ السعودية، وذلك بالدفع بقيادات الصف الثاني من شريحة الشباب بغية إعداد قادة للمستقبل لسد فراغ كبير في مناصب نواب أمراء المناطق ونواب الوزراء.

السادس: السعي الحثيث إلى تحقيق استقرار مالي واقتصادي وتنمية مستدامة مع العمل على تنفيذ أي إصلاح من شأنه دعم نمو الاقتصاد السعودي وتنويع نشاطاته، ويأتي طرح جزء من أسهم أرامكو السعودية للاكتتاب العام علامة فارقة في هذا السبيل مما سيؤدي إلى جلب الاستثمارات وخلق آلاف الوظائف، كما سيحدث نقلة نوعية في تعزيز حجم السوق المالي السعودي ليكون في مصاف الأسواق العالمية.

السابع: من أهم العلامات المميزة لعهد الملك سلمان القضاء على مظاهر التطرف، بعد أن تمت مواجهة الفكر المتطرف وحصاره بالطريقة العلمية الصحيحة، وذلك عن طريق تجفيف منابع التطرف، وملء المحيط الاجتماعي بمعززات التسامح والوئام والسلام، والذي ظهرَ جليا في إشاعة الفنون والمباحات التي حُرم منها المجتمع السعودي لعقود، ليكون الاعتدال والوسطية سمة تميز المجتمع السعودي كما كان من قبل.

الثامن: رؤية 2030 وهي وحدها عنوان لا يحتاج إلى أي شرح.

ختاماً، يحق لأي مراقب أن يطلق على عهد الملك سلمان عهد الإنسان السعودي بامتياز.