مع تزايد معدلات الهجرة الداخلية نحو المدن وتزايد أعداد السكان بمعدلات مرتفعة وتركزها في المدن الرئيسية، بدأت مشكلة الإسكان العقاري تتطور وتتعقد مع مرور الزمن، وأصبح من المهم طرح حلول جذرية تعالج قضايا الإسكان مع تزايد كثافة السكان المستمر.

ويلعب التمويل العقاري دورا فاعلا في حل كثير من مشاكل الإسكان، وقد يكون تقديم تمويل عقاري ميسر وقروض عقارية بنسبة معقولة من قيمة الوحدة السكنية هو أفضل الحلول، وأحد المداخل الفعالة لمواجهة أزمات الإسكان في أي مجتمع، وتنشيط وتنمية الاستثمار العقاري.

ويبدو أن نظام التمويل الحالي بنسب الفوائد العالية جدا غير قادر على تلبية الطلب المتنامي على سوق العقار، وخصوصا من أصحاب الدخل المحدود والمنخفض، الذين يمثل حصولهم على قروض كبيرة ذات مدة طويلة وفوائد بنكية مرتفعة جدا تحديا كبيرا ومخاطرة جسيمة قد تضعف من قدرتهم الشرائية طوال فترة الاستقطاع التي قد تدوم لمدة تتجاوز 25 سنة.

إن منظومة التمويل العقاري المتوازنة لها دور كبير في تحسين كفاءة السوق العقاري، والمواءمة بين العرض والطلب كفيلة بتيسير التملك لكل فئات المجتمع، وما يترتب عليها من متطلبات مثل: نوع الوحدات السكنية التي يجب أن تنتج لمقابلة حاجة العملاء ورغباتهم، مع الأخذ في الاعتبار التنبؤ بحجم الطلب على السوق العقارية، وتيسير انتقال الوحدات السكنية من المنتجين للمستهلكين من خلال شروط ميسرة للتمويل.

ومنظومة التمويل العقاري الحالية لا تأخذ في الاعتبار مقدار الضرر على المستفيد من وراء أخذ قروض كبيرة ذات مدة استقطاع طويلة وفوائد مرتفعة، ولا تحقق الفائدة لكل طرف من أطراف منظومة التمويل، حيث كل الفائدة تصب في صالح البنوك والجهات الممولة.

أصبح من الضروري معالجة كل المعوقات التي تواجه العميل الذي يتقدم لخدمة التمويل العقاري من البنوك المتخصصة التي تؤثر على أنماط التمويل حتى لا يترتب عن عملية التمويل نتائج عكسية، لعل أهمها إضعاف القدرة الشرائية عند العميل، وخصوصا عند كثير من العملاء الذين يمثل الراتب الشهري مصدر الدخل الوحيد لهم.

ونظام التمويل العقاري من أكثر القضايا تعقيدا في كثير من البلدان لأنه يرتبط بسلسلة متصلة الحلقات، تبدأ من عملية بناء وشراء العقار وتحديد سعر البيع وتنتهي بسداد القرض العقاري، وذلك يتطلب أجهزة وأطرافا عدة تنظم العمليات المتعلقة بالتمويل ضمن مجموعة من القوانين والتنظيمات.

وفي بلادنا - ولله الحمد - قطعنا مشوارا كبيرا في تقنين وتنظيم عملية التمويل العقاري، ولكنها لا زالت تحمل بعض جوانب الخطورة على العميل محدود أو متوسط الدخل، وهذا قد يربك المنظومة التمويلية كاملة، وقد تكون له آثار اجتماعية واقتصادية غير مباشرة، ولعل أهم جوانب الخطورة هو ارتفاع سعر الفائدة.

إن ارتفاع سعر الفائدة هو أكبر تحد يواجه العملاء من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض، وإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة كفيل بمعالجة كثير من مشاكل الإسكان المزمنة، حتى لا تتحول إلى مشاكل مستدامة وتتعمق أكثر وأكثر بين طبقات المجتمع، وبالتالي يصعب حلها في قادم الأيام.