كل المقالات والتقارير التي خرجت في صحافتنا للتعليق حول قرار إصدار الهيئات الثقافية؛ تحدثت وبحماسة منقطعة النظير، عن النتائج المتوقعة من تلك الهيئات. والحقيقة، أنني أنا أيضاً متحمس مثلهم لتلك النجاحات، ولكنني أدرك حجم التحديات التي ستصاحب إنشاء تلك الـ11 هيئة.

يا وزارة الثقافة، أعرف نبل المقاصد عبر إنشاء هذه الهيئات، ولكن النوايا الجميلة قد لا تصمد أمام رياح التحديات الإدارية للمنظمات الجديدة. أقصد بذلك، أن إنشاء 11 هيئة في وقت واحد ممكن من الناحية المادية (مبانٍ، مواقع، مكاتب)، ولكنه صعب جداً من الناحية الفنية (ميزانيات وفيرة، موارد بشرية كفؤة، لوائح وخطط واضحة ومحفزة). أعيد وأقول، ليست مستحيلة، ولكنها صعبة جداً.

قرأت مرة فكرة فعلتها أرامكو أسمتها بـ (التجميد الإنتاجي)، وهي فكرة جاءت كأحد الحلول التفكيرية الخارجة عن الصندوق، أمام تحديات واجهتها قيادة الشركة في فترة من الفترات المتعلقة بوفرة الإنتاج مقارنة بالطلب السوقي. ولمن يرغب بالاستزادة عنها، عليه الرجوع لمذكرات الوزير علي النعيمي، وخصوصاً الصفحات 130-133.

ما الذي تستفيده وزارة الثقافة من هذه التجربة؟

تستطيع وزارة الثقافة أن تحور الفكرة، وتجمّد قيادة هذه الهيئات بشكل جزئي. أي أن العمل على قيادة مشاريع التأسيس لهذه الهيئات من قبل الوزارة، يتم على فترات ممرحلة. بمعنى، توزع هذه الهيئات على مدد محددة، وفي كل مدة، يتم تجميد أية عمل مباشر لهيئة خارجة عن نطاق المرحلة.

وبشرح مبسط للفكرة، أقول؛ توزع هذه الهيئات على ثلاث مراحل، كل مرحلة مدتها عام، والعام مقسم على أربع فترات، كل فترة (ثلاثة أشهر). في الربع الأول يتم صب كل التركيز والاهتمام على ثلاث هيئات فقط، وذلك من خلال دعمها بكل ما يمكن من موارد مالية وبشرية وإستراتيجية ولوجستية، وفي نهاية هذه الثلاثة أشهر، تكون الوزارة قد رسمت خط سير لمدة تسعة أشهر مستقبلية للهيئات الثلاث الأولى. ثم تجمد الوزارة الإشراف المباشر والمركّز على الهيئات الثلاث المدرجة في الربع الأول من المرحلة الأولى، لتنتقل للهيئات الثلاث المخصصة للربع الثاني من تلك المرحلة ولمدة ثلاثة أشهر أيضاً، يُصب عليها كامل التركيز من خلال بناء الأساسات الأولى. وإذا انتهى الربع الثاني، تنتقل الوزارة إلى هيئات الربع الثالث بالهيئات الثلاث الأخرى. وأخيراً في الربع الأخير من المرحلة الأولى، يتم التركيز على الهيئتين المتبقيتين. وهنا تنتهي المرحلة التأسيسية الأولى لتلك الهيئات.

أما المرحلة الثانية فتبدأ بمراجعة ما قامت به الهيئات الثلاث التي كانت ضمن الربع الأول من المرحلة الأولى من الأعمال خلال الأشهر التسعة الماضية التي جُمّد فيها الإشراف عليها، وهنا، يتم التركيز على سد الثغرات الإدارية في مرحلة الإنشاء التي تمت، وكذلك معالجة الانحرافات في سير خطة الهيئات الثلاث التي سبقت صناعة إستراتجياتها، وكذلك يتم بناء خطط التوسع للأشهر التسعة القادمة. وهكذا دواليك، يتم مراجعة عمل الهيئات المتبقية في الأرباع الثلاثة المتبقية من المرحلة الثانية بناءً على الإنجازات المتحققة من المرحلة الأولى.

وأخيراً تأتي المرحلة الثالثة، ويتم فيها مراجعة السياسات الإستراتيجية التطويرية لتلك الهيئات، مع غربلة شاملة للعامين الماضيين لمعرفة ما تم تحقيقه فيها من تطورات. وكذلك يبدأ معها التمكين الكامل لتلك الهيئات بالانطلاق، مع مراعاة عدم التشابك ما بين أدوارها وأعمالها البينية.

لا أدعو لتجميد إداري بالكامل، وإنما أقصد تجميد القيادة الإدارية المباشرة من الوزارة لتلك الهيئات لفترات زمنية محددة فقط، وبعد التأكد من استيعاب تلك الهيئات لوضعها التنظيمي، وتحقيقها أهدافها المبدئية يتم فك التجميد عنها بالكامل، لتشرف عليها ولتدعمها جميعها في وقت واحد.